د. محمد العامري

مدرب معتمد من المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني

خبير استشاري معتمد

مختص في علم النفس الإداري

كبير مدققي الجودة

محلل تلفزيوني وإذاعي مرخص

د. محمد العامري

مدرب معتمد من المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني

خبير استشاري معتمد

مختص في علم النفس الإداري

كبير مدققي الجودة

محلل تلفزيوني وإذاعي مرخص

الإدارة بين الماضي والحاضر

نحاول أن نعطي لمحة مركزة وسريعة عن التطور التاريخي لعلم الإدارة من خلال تقسيمها إلى عدة مدارس فكرية تتكامل في فروضها وتتطورها

January 8, 2024 عدد المشاهدات : 5406

مقدمة:
رغم أن الإدارة بالمفهوم العام مورست بأشكال شتى من قبل الحضارات القديمة إلا أن الإدارة كعلم له قواعد وأصول ونظريات ومفاهيم يعتبر حديثًا مقارنة بعلوم أخرى كثيرة ويشير البعض إلى أن بداية ظهور علم الإدارة بمعناه المتعارف عليه اليوم لا يتجاوز مئة عام الأخيرة، حيث كتابات الاقتصاديين الأوائل والثورة الصناعية في العالم الغربي »، وسننحاول أن نعطي لمحة مركزة وسريعة عن التطور التاريخي لعلم الإدارة من خلال تقسيمها إلى عدة مدارس فكرية تتكامل في فروضها وتتطور وفق اعتبارات زيادة حجم ونوعية التطور الاقتصادي والاجتماعي في المجتمعات. ولكن قبل أن ندخل في تفاصيل المدارس نود أن نشير إلى معنى المدرسة بشكل عام وأهميتها وأسباب تعددها:

مفهوم المدرسة أو المدخل
يستخدم مصطلح المدرسة School أو المدخل Approach ليشير إلى مجموعة المتخصصين أو العلماء الذين يشتركون في رؤيتهم وتعريفهم وتفسيرهم لظاهرة معينة وتحديد حدودها وطريقة دراستها وفهمها والمواضيع المنضوبة في إطارها، مثال ذلك مدرسة الشعر الحديث أو مدرسة الفن الحديث أو الرسم الانطباعي وغيرها. وبهذا المعنى فإن هؤلاء المنتمين إلى مدرسة معينة لا يشترط أن يكونوا في المكان الواحد ولا أن يعيشوا في نفس الفترة الزمنية ولا يعرف بعضهم بعضًا، إنما يشتركون في رؤيتهم وافتراضاتهم حول الحقيقة العلمية للاختصاص الذي يصنفون ضمنه.
والمدرسة أو المدخل في الإدارة يعني مجموعة العلماء والمتخصصين في الإدارة الذين لو سئلوا حول الإدارة وأهميتها ومعناها ومفهوم الإداري الناجح لهم لأعطوا إجابات متشابهة بحدود كبيرة بحيث نستطيع أن نضعهم في إطار فلسفة واحدة ومنظور متشابه نسميه مدرسة معينة مثل المدرسة الكلاسيكية أو السلوكية أو غيرها. إن أهمية دراسة المدارس الإدارية ومعرفة روادها وأفكارهم يساهم في تشكيل تراكم وتكامل جهود مختلفة ومتنوعة تصب باتجاه اتساع نطاق علم الإدارة وزيادة مكوناته وإغناء مفاهيمه كما أن هذه المدارس تعطي رؤى مختلفة لكيفية الارتقاء بالممارسة الإدارية وتحسين قدرة المدراء في إدارة منظماتهم وتحقيق نتائج أفضل إن أسباب تعدد وتنوع المدارس أو المدخل يرتبط بالاجتهادات المختلفة في دراسة الظواهر الإدارية ورؤية الباحثين وطريقة تعاملهم مع الأسباب والنتائج المرتبطة بدراسة هذه الظواهر. ومن المعلوم أنه في علم الإدارة توجد عدة مدارس لدراسة الظواهر الإدارية وما يرتبط بها وجميعها مهمة لتشكيل حصيلة معرفية لدى المدراء مفيدة في تعاملهم مع مختلف المواقف في المنظمات الحديثة.

المدرسة أو المدخل School or Approach مجموعة العلماء والباحثين والأفكار المشتركة في رؤية ودراسة وتفسير ظواهر معينة في الإدارة أو الأدب أو الفن، ولا تعني أنها حقبة تاريخية منتهية ولا مكان محدد.

أولًا: المدرسة الكلاسيكية (التقليدية) Classical School
تضم هذه المدرسة -التي تعتبر من أقدم المدارس في نشأتها التاريخية- مجموعة من الاتجاهات وهي الإدارة العلمية والمبادئ (العمليات أو التقسيمات) الإدارية والبيروقراطية.
 
* الإدارة العلمية Scientific Management
يمثل هذا الاتجاه بداية استخدام المنهج العلمي المنظم للتعامل مع الإشكالات في المنظمات. وينطلق من مسلمات معينة تمثل منهجا فكريًّا تحليليا للمشاكل الإدارية ومن ثم إيجاد حلول واقعية لها لغرض تحسين أداء العاملين ورفع إنتاجيتهم مما ينعكس إيجابيًّا على طرفي العلاقة : رب العمل Employer Employees. ويعتبر فردريك تايلور (1856- 1915) Fredrick Taylor الأب الروحي لهذا الاتجاه ويسميه البعض أبو الإدارة الحديثة. لقد نشر تايلور كتابًا بعنوان "مبادئ الإدارة العلمية" عام 1911 وأوضح فيه أهم أفكاره بخصوص التعامل الإداري ودراسة الوقت والحركة Time and Motion Study والتي أسهمت في ما بعد بتطوير تخصص علمي مهم في كلية الهندسة وهو الإدارة الصناعية Industrial Management.

الإدارة العلمية Scientific Management تركز الإدارة العلمية على اختيار وتدريب العاملين والمشرفين بعناية ودعمهم بالتخطيط السليم للعمل.

دراسة الوقت والحركة Time and .Motion Study تحليل الحركات وأنشطة الأعمال ووضع أوقات قياسية لأدائها.

إن أهم إسهامات تايلور والإدارة العلمية يمكن إجمالها في ما يلي:
1- إعداد قواعد علمية لكل وظيفة تشتمل على دراسة الحركة والوقت القياسي اللازم لإنجازها وتحضير ظروف مناسبة في مكان العمل.
2- اختيار العاملين بعناية فائقة بحيث يمتلكون المهارات المطلوبة للوظيفة.
3- تدريب العاملين بعناية لأداء أعمالهم ودفع أجور تتلاءم مع أدائهم.
4- إعانة ودعم العاملين في أداء أعمالهم عن طريق التخطيط السليم للعمل وتسهيل مهمة إنجازه.
وتجدر الإشارة إلى أن الزوجين ليليان جلبرت (Lillian Gilbreth ( 1972-1878 وفرانك جلبرث (Frank Gilbreth 1924-1868) قاما بتطوير معدات لغرض دراسة الوقت والحركة وكذلك علم النفس الصناعي. وقد كان الهدف من دراسة الوقت والحركة تقليل الوقت الضائع من قبل العامل وبالتالي فقد مهد هذا الأمر إلى ما يعرف اليوم بتبسيط العمل Work Simplification والمعيارية Standardization.
* المبادئ (العمليات أو التقسيمات) الإدارية Administrative Principles
يمثل هذا الاتجاه نظرة مكملة للاتجاه السابق (الإدارة العلمية)، ففي الإدارة العلمية كان التركيز على إنتاجية الفرد وزيادتها، في حين يركز هذا الاتجاه على المنظمة كوحدة واحدة. ويعتبر هنري فايول (Henry Fayol 1841-1925) الرائد الأول لهذا الاتجاه والذي نشر كتابًا بعنوان "الإدارة العليا والإدارة الصناعية" () عام 1916. إن أفكار فايول والرواد الآخرين في هذا الاتجاه شكلت القاعدة الأساسية لتخصص "إدارة الأعمال" ولعل أبرز أفكار فايول ومساهماته هي:
1- العمليات الإدارية
فقد قسم فايول مهام وواجبات الإدارة إلى خمسة عمليات رئيسية:
* الاستبصار والحكمة Foresight: والتي من خلالها توضع الخطة لتنفذ مستقبلًا.
* التنظيم Organization: لحشد وتأطير الموارد التي تستخدم في تنفيذ الخطة للوصول إلى الأهداف.
* القيادة وإصدار الأوامر Command: لتقييم العاملين وإنجازاتهم للحصول على أفضل نتائج من خلال تنفيذ الخطة.
* التنسيق Coordination: لمطابقة الجهود مع بعضها وتقاسم المعلومات لحل الإشكالات الإدارية وتحقيق أفضل النتائج.
* الرقابةControl: للتأكد من أن الإنجاز يأتي متوافقًا مع الخطة الموضوعة واتخاذ إجراءات تصحيحية إذا لزم الأمر.
2- أنشطة المنظمة:
في منظمات الأعمال التي تهدف إلى إنتاج السلع الصناعية يمكن ملاحظة الأنشطة التالية:
* النشاط الإنتاجي الفني Technical Operations: ويتعلق بإنتاج السلع المختلفة.
* النشاط التجاري Commercial Operations: ويتعلق بشراء المواد الأولية اللازمة للإنتاج وبيع المنتجات تامة الصنع.
* النشاط المالي Financial Operations: وهذه الوظيفة تتعلق بأساليب الحصول على الأموال وتخصيصها لمختلف الأنشطة بطريقة مثلى مع مراقبة حركة رأس المال في المنظمة.
* نشاط الحماية من المخاطر Security Operations: تركز هذه الوظيفة على الخطوات الضرورية لحماية الأفراد في المنظمة وكذلك إنتاج منتجات سليمة وأمينة.
* النشاط المحاسبي Accounting Operations: وتتضمن هذه الوظيفة توثيق وتسجيل مجمل العمليات المحاسبية والمالية وتهيئة البيانات المحاسبية الخاصة بالمخزون والأرباح والمطلوبات وإعداد الميزانية العمومية مع تحليل هذه البيانات إحصائيا.
* النشاط الإداري Managerial Operations: ويمثل العمليات الإدارية الأربعة وهي:
- التخطيط Planning
- التنظيم Organization
- القيادة Leadership
- الرقابة Control  

العمليات الإدارية  Administrative  Principles اتجاه يركز على الاهتمام بالوظائف الإدارية وأنشطة المنظمة مدعومة بفهم جيد للمبادئ الإدارية.

أنشطة المنظمة Organizational Functions (Activities) تمثل مجمل الأنشطة الأساسية لأي منظمة أعمال صناعية كانت أم خدمية، على الرغم من أن فايول قد خص بها المنظمات الصناعية.


3- المبادئ الإدارية الأربعة عشر لفايول
يرى فايول أن الإدارة هي تفكير واعتقادات لذلك اعتني كثيرًا بنوعية الإدارة Quality of Management واقترح أربعة عشر مبدأ للارتقاء بمستواها وهذه المبادئ هي:

المبادئ الإدارية لفايول Fayol's Principles هي اعتقادات وأفكار صاغها فايول في أربعة عشر مبدأ لتحسين الممارسة الإدارية.

* تقسيم العمل Division of Work: بمعنى أن يعطي جزء صغير من العمل لإنجازه لكي يكون متخصصا في هذا الجزء.

* السلطة والمسئولية Authority and Responsibility: وهذا يعني أن السلطة هي حق إصدار الأوامر بينما المسئولية هي التزام بمسئوليات محددة لإنجاز ما يتطلب الموقع الوظيفي لتكون العرضة للمحاسبة واجبة عن إساءة استخدام السلطة.
* القواعد المنظمة للعمل Discipline: قواعد واتفاقات تحدد بوضوح العلاقة بين الأطراف المختلفة في المنظمة والتي يجب أن تطبق بعدالة وقانونية.
* وحدة الأمر :Unity of Command: إن كل موظف أو عامل يجب أن يتلقى الأوامر من رئيس واحد فقط.
* وحدة الاتجاه Unity of Direction: إن جهود أي فرد في المنظمة يجب أن تنسق وتركز بنفس الاتجاه.
* خضوع مصالح الأفراد لمصالح المنظمة Subordination of Individual Interests to Organizational Interests: يجب أن يكون هناك تكامل بين مصالح الأفراد ومصالح المنظمة لكن الأولوية تعطي لمصالح المنظمة إذا حصل تعارض بين المصلحتين.
* مكافأة العاملين بعدالة Remuneration of Staff : يجب أن تدفع للعاملين أجور مجزية مع حوافز مناسبة للمجهودات التي يبذلونها.
* المركزية :Centralization: أن القرارات المتعلقة بالسياسات العامة المهمة يجب أن تتركز بيد الإدارة العليا.
* التدرج الهرمي Scalar Chain: يجب أن تخضع الاتصالات لمبدأ التدرج الهرمي حسب خط السلطة من أسفل إلى أعلى أو بالعكس.
* الترتيب Order: وضع الشيء المناسب في مكانه المناسب حيث يتطلب الأمر معرفة دقيقة بالمتطلبات الإنسانية والموارد المتعلقة بها.
* العدالةEquity: يجب أن يكون المدراء عادلون وأصدقاء للعاملين.
* استقرار الكادر Stability of Staff: يجب أن يكون دوران العمل أقل ما يمكن، ويجب أن يشجع مبدأ تكريس العامل حياته للعمل في منظمة واحدة.
* المبادرة Initiative: يجب تشجيع العاملين على تقديم أفكار جديدة أثناء تنفيذ الخطط.
* روح الفريق Espirit de Corps: حيث يشجع العاملون على العمل ضمن فريق وعلى الإدارة أن تدعم هذا الاتجاه.
ومن الجدير بالذكر أن من بين الرواد الآخرين في الاتجاه ماري باركر فوليت Mary 1933-1868) Parker Foil yet) وشستر برنارد Chester Bernard ( 1961-1886) اللذان ساهما بأفكار مهمة في هذا الاتجاه. فقد ركزت فوليت على المجاميع وتركيس الجهود للعمل في المنظمة حيث ترى أن المنظمة هي عبارة عن تجمع (Community) يجب أن يعمل المدارء والعاملون فيه بتناغم وتناسق دون هيمنة طرف على آخر. كما أن وظيفة المدير مساعدة الأفراد على التعاون أحدهم مع الآخر للوصول إلى مصلحة مشتركة. أما برنارد فقد أسهم بإضافة ما يسمى التنظيم غير الرسمي Informal Organi1.ation كما أشار إلى أن المنظمات هي ليست ماكينات وإنما مجاميع اجتماعية وتوجد فيها علاقات غير رسمية. كما أسهم أيضًا بتطوير ما يسمى نظرية قبول السلطة Acceptance Theory of Authority والتي نص فيها على أن الأفراد لديهم الحرية بإتباع أوامر الإدارة أو رفضها.


* البيروقراطية Bureaucracy
تمثل البيروقراطية مع الاتجاهين السابقين نظرة رشيدة وكفؤة للمنظمة من خلال منطق وقواعد عمل وشرعية سلطة. ويعتبر ماكس فيبر Max Weber (1920-1864) هو الرائد الأول والرئيس لهذا الاتجاه. ولكونه عالم اجتماع فقد اهتم في إيجاد آليات العمل في المنظمة وفق تسلسل هرمي ومنطقي قائم على مجموعة من المبادئ أهمها:
1- تقسيم واضح للعمل Clear Division of Labor: وفيه 
تحدد الوظائف لكي يزود العاملون بمهارات كافية لأدائها كما ينبغي.
2- هيكلية واضحة للسلطة Clear Hierarchy of Authority: أن السلطة والمسئولية يجب أن تحددا بوضوح لجميع المواقع وكل موقع يجب أن يعرف إلى أي جهة يقدم تقاريره.
3- قواعد وإجراءات عمل رسمية Formal Rules and Procedures: يجب أن تكون هناك قواعد مكتوبة بوضوح لتوجيه السلوك والقرارات لجميع الوظائف.
4- اللاشخصية في التعامل Impersonality: إن القواعد والإجراءات تطبق على الجميع دون استثناءات شخصية ولا معاملة تفضيلية لأي من العاملين.
5- التدرج الوظيفي حسب الجدارة :Careers Based on Merits: يجب اختيار العاملين وترقيتهم في ضوء قابلياتهم الفنية وأدائهم.
6- فصل الإدارة عن الملكية Management Separation from Ownership: لضمان أداء أفضل وتحقيق للأهداف فإن الإدارة تفصل عن المالكين. 

البيروقراطية Bureaucracy صيغة تنظيمية عقلانية ورشيدة قائمة على أساس المنطق والنظام والسلطة الشرعية لإنجاز الأعمال وتحقيق الأهداف.

وتجدر الإشارة إلى أن هذا الاتجاه أسهم بشكل فاعل في تطوير تخصص الإدارة العامة الذي بدأ استحداثه في كليات القانون في أول الأمر ثم أصبح تخصصا واسعا قائمًا بذاته. لقد أصبحت البيروقراطية وفق المفهوم الشائع اليوم مرادفة للحالة السلبية والروتين والتأخير في إنجاز المعاملات والجمود في التعامل مع ما يستجد في الإدارات المختلفة. في حين يفترض أن تعطي البيروقراطية توجها لخيارات يؤطر من خلالها الهيكل التنظيمي ليكون قادرًا على العمل الكفؤ والاستجابة للموقف.


ثانيًا: المدرسة السلوكية Behavioral School
ظهرت بوادر تأثير الفكر السلوكي والإنساني منذ منتصف العشرينات من القرن الماضي في الفكر الإداري. ومثلت مجموعة كبيرة من الاتجاهات السلوكية الإنسانية يمكن عرض أهمها في المخطط التالي:

المدرسة السلوكية Behavioral School مجموعة الأفكار والرؤى التي تؤكد على أن الأداء الجيد يرتبط بمتغيرات سلوكية وإنسانية.

 إن أهم الأفكار المنضوية تحت لواء هذه المدرسة تتعلق بضرورة الاهتمام بالفرد العامل والمجموعات من خلال النظر إلى رضاهم وتطوير العلاقات الاجتماعية بينهم وبالتالي تتحقق أعلى إنتاجية. وهذه الأفكار جاءت ردًا مكملًا على أفكار المدرسة الكلاسيكية التقليدية. 


* العلاقات الإنسانية ودراسات هوثورن
Human Relations and Hothorne Studies

إن المنطلق الرئيسي في الاتجاه هو الدراسات التي أجرتها شركة western Electric (تسمى اليوم Lucent Technologies) في موقعها المسمى Hathorne في ولاية شيغاكو. وفحوى الدراسة هو معرفة ما إذا كان هناك علاقة بين الحوافز الاقتصادية والظروف المادية لمكان العمل وإنتاجية العاملين. وبعد سلسلة من الأبحاث لمعرفة تأثير الإضاءة والضوضاء والحرارة وغيرها من تبين أن تأثير هذه العوامل لا يرتبط بعلاقة من نوع محدد الأمر الذي دفع الباحثين إلى الاعتقاد بأن هناك عوامل غير مرئية تساهم في تحسين الأداء وزيادة الإنتاجية وليس الظروف المادية والحوافز الاقتصادية لوحدها. وقد استعان المصنع بفريق عمل من جامعة Harvard برئاسة Elton Mayo وقد كان هذا في عام 1927. وقد بدأ مايو دراسته بالبحث عن تأثير التعب على الإنتاجية، حيث تم عزل ستة عاملات في غرفة خاصة وتم ترتيب عملهن بحيث يحصلن على فترات راحة متباينة وكذلك فإن أسابيع العمل لهن كانت ذات فترة مختلفة وعند قياس إنتاجيتهن بشكل مستمر وجد أن هناك تحسن في الإنتاجية ولكن بدون وجود علاقة بين الإنتاجية وظروف العمل المادية. وقد استنتج فريق البحث أن هناك عوامل أخرى تفسر هذه الزيادة في الإنتاجية تم تلخيصها بعاملين أساسيين: الأول هو مناخ العمل الجماعي Group Atmosphere والإشراف المشترك Participative Supervision. ففي إطار العامل الأول وتقاسم العاملون علاقات اجتماعية طيبة ومرحة بين بعضهم الأمر الذي يؤدي إلى أداء العمل بنشاط. وفي ظل العامل الثاني فقد شعر العاملون بأهميتهم من خلال تزويدهم بالمعلومات وسماع آرائهم باستمرار. أن هاتين الحالتين كانتا مفقودتين في السابق وهما اللتان تسببتا في تحسين الإنتاجية.
ورغم الانتقادات التي يمكن أن توجه إلى دراسات هوثورن ونتائجها ضمن منظور البحث العلمي الحالي بعدم إمكانية تعميم النتائج ومحدودية العينة إلا أنه يمكن القول أن هذه الدراسات نقلت انتباه المدراء والإدارة والباحثين من التركيز على الجوانب الفنية والهيكلية التي ركزت عليها كافة اتجاهات المدرسة التقليدية إلى الجوانب الاجتماعية والإنسانية كمفاتيح مهمة لتحسين الإنتاجية. لقد أعطت هذه الأبحاث اهتمام للشعور الإنساني والسلوك والعلاقة بين العاملين أهمية كبيرة وكذلك أشرت تأثير المجموعة على سلوك الفرد. إن أهمية دراسات هوثورن الكبيرة اكتشفت عندما لاحظ الباحثون زيادة إنتاجية العاملين غير الخاضعين للدراسة بسبب توقعهم أن الاهتمام سيشملهم لاحقًا وأنهم سيعاملون كما يعامل العاملين الخاضعين للتجربة وسميت هذه الظاهرة "تأثير هوثورن" Hothorne Effcrt وساهمت دراسات هوثورن بظهور حركة العلاقات الإنسانية Human Relations Movement التي ترى أن استخدام العلاقات الإنسانية الجيدة ومعاملة العاملين معاملة حسنة سينعكس إيجابيًّا على زيادة الإنتاجية.
إن هذه الحركة كانت مدخلًا لما سمي في ما بعد السلوك التنظيمي Organizational Behavior الذي يركز على دراسة الأفراد والمجموعات وسلوكهم في المنظمات.

دراسات هرثورن Hothorne Studies مجموعة من الدراسات والتجارب في شركة Western Elctric فتحت المجال للتركيز على الجوانب الإنسانية والسلوكية في إنجاز العمل.

حركة العلاقات الإنسانية  Human Relations Movement حركة ترى أن المدراء يستخدمون علاقات إنسانية جيدة لغرض الوصول إلى إنتاجية أعلى للعاملين.
تأثير هوثورن" Hothorne Effcr هو ميل العاملين غير المشمولين باهتمام خاص للإنجاز كما هو متوقع منهم.
السلوك التنظيمي  Organizational Behaviors دراسة سلوك الأفراد والمجموعات في المنظمات.


* نظرية الحاجات الإنسانية لماسلو Maslow Theory
في إطار المدرسة السلوكية والعلاقات الإنسانية تعتبر أعمال إبرهام ماسلو Abraham Maslow (1970 -1908) حول الحاجات الإنسانية نقلة نوعية في علم الإدارة. والمقصود بالحاجة Need هي عوز مادي أو نفسي يشعر به الفرد ويميل إلى إشباعه.
وهذا المفهوم حيوي للمديرين لأن الحاجات تولد ضغوطا تؤثر في عمل وسلوكيات العاملين وتصرفاتهم وقد أشار ماسلو إلى وجود خمسة مستويات من الحاجات وضعها في تسلسل هرمي ابتداء من الحاجات الفسيولوجية وانتهاءً بحاجات تحقيق الذات كما في الشكل (3- 2).

الحاجة Need هو عوز مادي أو نفسي يدفع الفرد للبحث عن إشباع ملائم له.

إن هذه النظرية قائمة على أساس مبدأين أساسيين: الأول، مبدأ الحرمان من الإشباع Deficit حيث أن الحاجات المشبعة لا أثر لها في دفع الفرد لسلوك معين في حين أن الحاجات غير المشبعة Deprived Needs التي تؤثر في سلوك الفرد وتدفعه للبحث عن إشباعها. أما الثاني فهو مبدأ التدرج في إشباع الحاجات Progression Principle أي أن الحاجات في مستوى أعلى لا تفعل إلا بعد أن تكون حاجات المستوى الأدنى منه قد أشبعت، فلا يفكر أي عامل في الحاجات الاجتماعية أو غيرها ما لم تكن الحاجات الفسيولوجية أو حاجات الأمان قد أشبعت بحدود معقولة.
وفي إطار الفكر السلوكي الإنساني فإن نظرية ماسلو تحت المدراء على مساعدة العاملين لإشباع حاجاتهم المهمة من خلال العمل لكي ينعكس إيجابيًّا على الأداء والإنتاجية.


* نظرية X ونظرية Y لماكريغر
Me Gregor's Theory X and Theory Y

لقد تأثر دوغلاس ماكريفر Douglas McGregor (1964 -1906) بشكل كبير بدراسات هوثورن وماسلو وقد بدأ هذا واضحًا في كتابه المشهور The Human Side of Enterprise الذي قدم فيه وجهة نظر تنص على ضرورة عناية المدراء بالجوانب الاجتماعية وتحقيق الذات للعاملين كما دعاهم إلى الانتقال من الممارسات القائمة على أساس النظرة الكلاسيكية للعمل وسماها "نظرية X" إلى الممارسات القائمة على أساس النظرة الإنسانية والاجتماعية والتي أطلق عليها نظرية Y. ووفق أفكار ماكريغر فإن افتراضات نظرية (X) تدور حول عدم حب العاملين للعمل ونقص الطموح وعدم الاستعداد لتحمل المسئولية ومقاومة التغيير كما أنهم يفضلون أن يقادوا بدلًا من أن يكونوا هم القادة ويحفزون ماديًا فقط لذلك فإن الباحث يرى أن هذه الافتراضات سلبية وغير واقعية واقترح بدلها افتراضات نظرية (Y)، والتي في إطارها يرى المدراء العاملين بكونهم يحبون العمل ومستعدين لتحمل المسئولية وقادرين على ممارسة الرقابة الذاتية على عملهم وهم كذلك مبدعون وذوي خيال خصب.
ولعل أهم ما ولدته أفكار ماكريغر في إطار الممارسات الإدارية هو أن المدراء يخلقون بيئة عمل تتماشى وتنسجم مع الافتراضات التي لديهم حول العاملين وبالتالي فإن العاملين يمارسون عملهم بآليات وطرق تنسجم مع هذه الافتراضات وما يتوقعه مدراؤهم منهم. فالمدراء في إطار نظرية (X) يتصرفون بطريقة محددة ومباشرة في إطار سلسلة الأمر والرقابة. ولا يعطون العاملين مجالًا لإبداء الرأي في أعمالهم. إن هذا الجو يخلق مناخا سلبيًّا وشعورا بالتبعية يجعل العاملين يؤدون عملهم وفق ما يقال لهم وحسب المتطلبات. أما المدراء في إطار نظرية (Y) فإنهم يؤمنون بالمشاركة ويخلقون جوا من الحرية وتكريس الجهود للعمل وتحمل المسئولية وهذا يخلق مناخ مفعم بالرضا والتقدير وتحقيق الذات وتقديم المبادرات. 

نظرية Theory X افتراضات بأن العاملين لا يحبون العمل ولا يرغبون بتحمل المسئولية ولا طموح لديهم ويحفزون بالحوافز المادية فقط.
نظرية  Theory Y ترى أن العاملين يحبون العمل ومستعدون لتحمل المسئولية ولديهم قدرات إبداعية.

* نظرية الشخصية الناضجة Adult Personality Theory
تدرج هذه النظرية كاتجاه في المدرسة السلوكية الإنسانية لكونها تمثل مساهمة استثنائية في دعم هذه المدرسة رغم أن الغالبية العظمى من كتب الإدارة لا تشير إليها عند معالجة موضوع التطور التاريخي للإدارة. وصاحب هذه النظرية هو كريس آرجرس Chris Arygris الذي يرى أن تناقضا سيحصل بين الممارسات الإدارية القائمة على المفاهيم التقليدية والهيكلية التنظيمية التقليدية مع الحاجات والقابليات للأشخاص الناضجين العاملين في المنظمة، واستنتج أن بعض الممارسات وخاصة المتأثرة بالمدرسة الكلاسيكية واتجاهاتها لا تنسجم مع الشخصية الناضجة. إن الأمثلة كثيرة ويمكن الإشارة إلى أحدها وهو أن اتجاه الإدارة العلمية يرى في التخصص وتقسيم العمل سبيلًا إلى مزيد من الكفاءة في الأداء عندما تحدد المهمات بدقة في حين يرى أن آرغرس أن هذا المبدأ لا ينسجم مع تحقيق الذات للعامل في مكان العمل، حيث أنه يريد مزيد من المرونة وحرية التصرف وطرح الأفكار الإبداعية. وكذلك ترى نظرية الشخصية الناضجة أن تحديد السلطة الواضح وممارسة الرقابة وكتابة الإجراءات بالتفصيل في النظرية البيروقراطية يخلق نوعًا من الاتكالية والجمود لدى العاملين ويشعر من خلالها العاملين أن بيئة العمل مفروضة عليه وبالتالي يقل اندفاعه للعمل. ولعل أهم ما توصل إليه ارغرس في انتقاده لمبدأ وحدة الإدارة الذي نادى به فايول، هو أن هذا المبدأ يخلق ظروف الفشل النفسي للعاملين، وأن النجاح يتحقق عندما يشارك العاملون في تحديد الأهداف.

نظرية الشخصية الناضجة Adult Personality Theory إن شخصيات العاملين الناضجين تتسم بالمرونة والإبداع وتتناقض مع الجمود الذي تفترضه المدرسة الكلاسيكية.

ثالثًا: المدرسة الكمية Quantitative School
في الوقت الذي تطورت فيه الاتجاهات السلوكية في الإدارة كان هناك العديد من الباحثين يحاولون تطوير أساليب رياضية وكمية وإحصائية لمساعدة متخذي القرارات في تحسين نوعيتها. إن الافتراض الأساسي لهذه المدرسة يستند إلى كون الرياضيات والأساليب الكمية يمكن أن تستخدم في تحسين نوعية القرارات وحل المشكلات في منظمات الأعمال. لقد زادت استخدامات هذه الأساليب حديثًا خاصة بعد التطورات التي حصلت في تكنولوجيا المعلومات والحاسوب والبرامجيات الجاهزة. ويمكن ملاحظة اتجاهين رئيسيين داخل هذه المدرسة وهما اتجاه علم الإدارة Management Science واتجاه إدارة العمليات Operations Management.

* علم الإدارة أو بحوث العمليات Operations Research
إن هذا الفرع يعني باستخدام التطبيقات والأساليب الرياضية في حل المشاكل الإدارية حيث يعتمد الطريقة العلمية في صياغة النموذج الرياضي وحله وتطبيقه. وفي الوقت الحاضر توجد الكثير من النماذج والأساليب الكمية التي نجحت في حل مشاكل كبيرة في مجال التخطيط والتنبؤ ومنها نماذج البرمجة الخطية وصفوف الانتظار ونماذج المخزون والمحاكاة وغيرها.
* علم الإدارة أو بحوث العمليات Operations Research
إن هذا الفرع يعني باستخدام التطبيقات والأساليب الرياضية في حل المشاكل الإدارية حيث يعتمد الطريقة العلمية في صياغة النموذج الرياضي وحله وتطبيقه. وفي الوقت الحاضر توجد الكثير من النماذج والأساليب الكمية التي نجحت في حل مشاكل كبيرة في مجال التخطيط والتنبؤ ومنها نماذج البرمجة الخطية وصفوف الانتظار ونماذج المخزون والمحاكاة وغيرها. 

علم الإدارة أو بحوث العمليات Management Science  (Operations Research) الحقل العلمي الذي يهتم باستخدام الأساليب الكمية والرياضية لحل المشاكل الإدارية.

* إدارة العمليات والإنتاج
Operations and Production Management

وهذا الحقل يهتم بالتطبيقات العملية للأساليب الكمية في مجال الإنتاج للسلع والخدمات ولكن بشكل أقل من علم الإدارة أو بحوث العمليات فالتنبؤ بالطلب واختيار موقع الوحدة الإنتاجية وموازنة خطوط الإنتاج والجدولة والصيانة والسيطرة النوعية هي تطبيقات كمية شائعة في هذا الحقل المعرفي.
ولابد من الإشارة إلى أن الأساليب الكمية وعلم الإدارة ساهم بشكل كبير في تطوير حلول لمشاكل إدارية خصوصًا بعد نجاحه في الحرب العالمية الثانية في تقديم حلول للقادة العسكريين، لكنه يعاني من محددات في الاستخدام ولا يمكن أن يكون بديلًا عن المدير ذاته بل مساعد في اتخاذ قراراته خصوصًا وأن الأساليب الكمية لا يمكن أن تتعامل مع كثير من الجوانب السلوكية والقيمية. ولكن من المهم جدًّا للمديرين أن يعرفوا أساسيات التقنيات والكمية ويجب أن يعرفوا أيضًا متى تستخدم وما هي محدداتها.

* إدارة العمليات والإنتاج Operations and Production management الحقل المعرفي المعني بمساعدة المنظمة على إنتاج السلع والخدمات بكفاءة عالية.

رابعًا: المدارس الحديثة Modern Schools
إن تطور المدارس جاء مستندا ومكملا للتوجهات السابقة والافتراضات التي قامت عليها هذه المدارس. في إطار توجهات المدارس الحديثة ينظر إلى الأفراد في المنظمات باعتبارهم مكونات مختلفة ولا يمكن فهمها بسهولة لذلك فإن تحليلا معمقا وشاملا يقربنا من فهم أفضل للأفراد والمجموعات في المنظمات الحديثة. ورغم أن المدارس الحديثة تحوي العديد من التوجهات والمداخل لكننا نشير هنا إلى مدخلين مهمين وهما مدخل النظم والمدخل الموقفي أو الشرطي.
* مدخل النظم System Approach
يرى هذا المدخل أن منظمات الأعمال هي أنظمة مفتوحة تتعامل مع بيئتها باستمرار. والنظام System هو مجموعة من الأجزاء المتكاملة تعمل مع بعضها بشكل متدائب Synergic لغرض تحقيق الأهداف المحددة لها. وهذا يعني أن منظمات الأعمال تتكون من أنظمة فرعية أصغر Subsystem ليتشكل النظام الكلي الأكبر. ومنظمات الأعمال درست من قبل العديد من الباحثين كأنظمة مفتوحة تتعامل مع بيئة متغيرة باستمرار وتأخذ منها مدخلاتها لتقوم بتحويلها من خلال تداؤبية أجزائها الفرعية جميعًا إلى مخرجات مفيدة للزبائن والمجتمع 

النظام System مجموعة متكاملة من الأجزاء تعمل مع بعضها من أجل تحقيق هدف محدد.

التداؤب Synergy حالة عمل أكثر من جزء في نظام أو أكثر من نظام تؤدي إلى نجاح أكبر مما لو عمل كل جزء لوحده.

النظام الفرعي Subsystem مكون أصغر لنظام أكبر.

ومن المعلوم أن منظمات الأعمال في إطار هذا المدخل تعتبر نظم مفتوحة Open System متعددة الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية تتفاعل مع البيئة في إطار قدرتها على فهم وإدراك متغيرات هذه البيئة وانعكاسات تأثيرها على المنظمة كنظام بشكل شمولي أو على أحد أجزائها. أما المنظمات التي تعمل كأنظمة مغلقة Closed System فإنه يصعب عليها حاليًا النجاح وتقع في أخطاء كثيرة بسبب هذا السلوك المنغلق فلا يعقل أن تكون البيئة ليست مهمة لمنظمات الأعمال الحديثة وسواء كانت منظمات الأعمال مفتوحة أو مغلقة فإنها وفي ضوء استمرار تطور دورة حياتها فإنها ستصل إلى الهبوط والاضمحلال سواء على المدى القريب أو البعيد. إن مفهوم التلاشي Entropy يعبر عن حالة فقدان القدرة على التداؤب والاستمرار بالعمل بسبب عدم الفهم لمعطيات البيئة أو لأي سبب آخر. إن المهمة الأساسية للإدارة وفق مفهوم النظام هي إعادة شخن المنظمة باستمرار بالطاقة لتفادي الوقوع في خطر التلاشي والاضمحلال.

النظام المفتوح Open System هو نظام يتفاعل مع بيئته.

النظام المغلق Closed System هو نظام لا يتفاعل مع بيئته.

التلاشي Entropy عمليات طبيعية تقود النظام إلى فقدان التداؤب ومن ثم الاضمحلال.

* المدخل الموقفي Contingency Approach
يعتبر المدخل الموقفي مساهمة نوعية متميزة في الدارس الحديثة. إن أغلب المداخل التي تم عرضها في المدارس التقليدية والسلوكية والكمية يمكن اعتبارها ممثلة لمنظورات عامة شاملة Universal Perspective لأنها تبحث عن أفضل طريقة لإدارة المنظمة، في حين يقترح المدخل الموقفي إن كل منظمة يمكن اعتبارها نظاما متفردًا في خصائصه وبيئته ولذلك لا يمكن تعميم طرق شاملة للنجاح وإنما لكل موقف Situation هناك سلوك إداري يلائمه ويتأثر بالعديد من العوامل الموقفية مثل الحجم والبيئة والتكنولوجيا المستخدمة وطبيعة الأفراد والمجموعات في المنظمة ونوع الاستراتيجيات وقيم الإدارة العليا وغيرها.
وإذا ما أردنا أن نرى أمثلة فيمكن الإشارة إلى الهيكل التنظيمي الذي قد يصلح لمنظمة معينة ولا يصلح لمنظمة أخرى مشابهة وعاملة في نفس القطاع الصناعي.
وبعد استعراض هذه المدارس الأربعة (التقليدية والسلوكية والكمية والحديثة) وأهم أفكارها فإنهي مكن القول أن التراكم المعرفي المتكامل هو السمة السائدة وليس التناقص الفكري الحاد لهذه المداخل حيث أن إدارة الأعمال وهي تبحث عن فاعلية وكفاءة المنظمة تحاول إيجاد التوليفة المناسبة من التطبيقات والممارسات التي تزودها بها هذه المدارس ومداخلها أو اتجاهاتها. بعبارة أخرى فإن هدف الإدارة في منظمات الأعمال هو إنجاز الأعمال بكفاءة وفاعلية ويمكن التعبير عن تكامل الأفكار في جميع المدارس بهدف الوصول إلى الكفاءة والفاعلية واعتماد المدراء أساليب وأدوات ومفاهيم ونظريات من مختلف المدارس والاتجاهات بالشكل التالي: 

المدخل الموقفي Contingency Approach منظور يطابق بين الممارسات الإدارية ومتطلبات الموقف.
المنظور الشامل Universal Perspective محاولة لتحديد طريقة واحدة أفضل لعمل الأشياء.

خامسًا: الاتجاهات والممارسات المعاصرة والمستقبلية في الإدارة
Contemporary and Future Issues

تتطور الإدارة بوتائر سريعة في العصر الحديث ويرتبط هذا التطور بمجموعة كبيرة من المتغيرات والأبعاد يدخل في إطارها التقدم التكنولوجي والمعرفي والانفتاح وترابط العالم كوحدة واحدة وما يترتب على ذلك من شدة المنافسة. إن مجمل هذه التغيرات والتطورات فتحت أفقا رحبا للباحثين ومنظمات الأعمال لاشتقاق توجهات معاصرة تتراكم فيها المعرفة والتطبيقات لتعطي نتائج تجسدت في ظواهر إدارية أغنت علم الإدارة وتطبيقاته وفروعه ولعل أهمها ما سنناقشه في الفقرات التالية:
* البحث عن التميز Search of Excellence
إن التميز Excellence أصبح ميزة مهمة في عالم الأعمال اليوم، فالمدراء والعاملين في المنظمات يعتبرون التميز مدخلًا مناسبًا لخلق ميزات تنافسية تعطي منتجات وخدمات عالية الجودة للمستهلكين. إن ما يسند ذلك هو ثقافة تنظيمية تحوي الجودة كقيمة أساسية وكذلك تقوي الالتزام بها في جميع جوانب بيئة العمل. إن باكورة الاهتمام بالتميز تمثلت في طروحات وليم أوجي William Ouchi التي ضمنها النظرية المعروفة نظرية "Z" والتي حاولت أن تجعل التميز مرتبطا بثقافة تدعو إلى الاهتمام بالعاملين ومجاميع العمل كفرق متكاملة تناقش مختلف ما يرتبط بالنوعية وتحسينها باستمرار من خلال الاهتمام بالعاملين بشكل شامل والتعاقد معهم مدى الحياة وتطوير جوانب الرقابة الذاتية والمسئولية الجماعية. أما المساهمة البارزة الأخرى فقد جاءت من Thomas Peters و Robert Watennan في كتابيهما المعروف In Search of Excellence والذي حددا فيه مجموعة من خصائص مشتركة لأفضل منظمات الأعمال أداءً ومنها:

 نظرية Z Theory طروحات تضمنت التركيز على التوظيف مدى الحياة وفرق العمل والثقافة التنظيمية.
التميز Excellence خصائص تنفرد فيها المنظمات الرائدة والناجحة دون غيرها من المنظمات.

- قربها من المستهلك.
- نزعة وتوجه نحو الفعل الدقيق والمبادرة.
- ارتباط الإنتاجية بالأفراد ورأس المال العرفي.
- الاستقلالية والإبداع والمغامرة المحسوبة.
- التمسك بقيم وثقافة تنظيمية تدعو إلى الإبداع.
- هيكل تنظيمي بسيط وقادة إداريين محنكين.
- نمو محسوب وعدم الدخول في أنشطة أعمال دون معرفة مسبقة وعميقة لها.
- حرية المبادرة والرقابة الذكية والمحكمة.


* إدارة الجودة الشاملة Total Quality Management
لقد برع اليابانيون في تطوير أساليب ووسائل واتجاهات مكنت منظمات الأعمال من تقديم منتجات وخدمات تحمل صفات الجودة والتميز، فحلقات السيطرة النوعية Quality Circles مثلت مدخلًا عمليًّا للاهتمام بالجودة من خلال إيجاد فرق عمل تناقش بشكل حر وطوعي مختلف الجوانب الثانوية والمهملة والمؤثرة سلبًا على جودة السلعة أو الخدمة لمساعدة الإدارة التي تركز على القضايا المهمة. وتزايد الاهتمام بالجودة وطرحت أفكار كثيرة في نطاقها حتى تشكل مدخل شمولي فكري ومنهجي في إدارتها سمي إدارة الجودة الشاملة Total Quality Management حيث يشير هذا المدخل إلى بناء الجودة في جميع مراحل العمليات بدءًا من التفكير الأولي بالحصول على الموارد مرورا بعمليات تحويلها من خلال نظم العمل في المنظمة وانتهاءً بوصول المنتج إلى الزبون، ويمكن أن يعطي هذا المدخل نتائج جيدة بارتباطه بمفهوم سلسلة القيمة Value Chain والذي بموجبه تعتبر المنظمة سلسلة متعاقبة من الأنشطة تحول بموجبها المواد الأولية إلى منتجات في شكل سلع أو خدمات نهائية. والجودة يجب أن تتجسد في جميع حلقات هذه السلسلة.

إدارة الجودة الشاملة Total Quality 1tanagement فلسفة تعبر عن كون الجودة هي مسئولية جميع العاملين وفي جميع العمليات والأنشطة منذ الحصول على الموارد ولغاية وصول المنتج للمستهلك.
 سلسلة القيمة  Value Chain سلسلة متعاقبة من الأنشطة التي تحول المواد الأولية إلى سلع وخدمات من خلال إضافة قيمة في كل مرحلة من مراحل التحويل.

* المنظمة المتعلمة Learning Organizat1tion
مع اشتداد المنافسة في ميدان الأعمال وازدياد حالة عدم التأكد البيئي لم يعد ممكنا العمل وفق مفاهيم المنظمة التقليدية والقائمة على السلطة وتوزيع الأدوار والاهتمام الجزئي بالعمل. لذلك طرح مفهوم المنظمة المتعلمة Learning Organization والتي تمثل منظمة لها القدرة على التعلم باستمرار لتكيف نفسها مع المستجدات والظروف الطارئة. إن هذه المنظمة تحمل خصائص النجاح لكونها قادرة على الاستفادة والتعلم من خبرتها وخبرة الآخرين. لقد أعطى الباحث Peter Senge مفهوم المنظمة المتعلمة معنى واسعا وثريا من خلال كتابه The Fifth Discipline والذي شخص فيه عناصر ارتأى أنها أساسية للمنظمة المتعلمة وكما يلي:
* النماذج العقلية Mental Models: ويفهم منه أن يترك جميع العاملين أساليب التفكير القديمة واستبدالها بأساليب إبداعية.
* الحذق الشخصي Personal Mastery: وفيه يجب أن يتمتع الجميع بالوعي الذاتي والتفتح على الآخرين.
* التفكير بمنطق النظم System Thinking: يجب على الجميع أن يعرفوا كيف تعمل المنظمة كنظام متكامل.
* الرؤية المشتركة Shared Vision: في إطارها يجب أن يفهم الجميع ويوافق على الخطط والأفعال في المنظمة.
* الفريق المتعلم Team Learning: العمل بشكل جماعي ويفرق عمل منظمة لإنجاز الخطط.

المنظمة المتعلمة Learning Organization  المنظمة التي تقوم بالتحسين والتغير المستمر مستفيدة من دروس الخبرة السابقة.

* الوعي الشمولي والتنوع والمعرفة
Global Awareness, Diversity and Knowledge

إن العولمة وعصر الاقتصاد الرقمي دفعًا منظمات الأعمال إلى الاهتمام الشمولي بالأعمال وتأثيراتها المتبادلة وتجسد هذا الأمر بتطوير مجموعة كبيرة من المفاهيم تحاول أن تجعل هذه المنظمات أكثر نجاحا من خلال الاهتمام بمختلف جوانب العمل. فالأداء والنوعية المتميزة ارتبطت بتطبيق هذه المفاهيم مثل إعادة هندسة العملية Process Reengineering والمنظمات الافتراضية Virtual Organizations والمصانع الرشيقة Agile Factories والمنظمات الشبكية Network Firms والإدارة الإلكترونية Electronic Management وإدارة المعرفة Knowledge Management وغيرها من المفاهيم. إن مجمل هذه المفاهيم ساعدت المنظمات في تطوير أعمالها كثيرًا ومثلت مدخلًا مهما في دراسات الباحثين المعاصرين ورجال الأعمال كما أنها فتحت آفاقا مستقبلية مهمة. ولعل ظاهرة الاهتمام بالتنوع Diversity والتي تعني الاختلافات بين العاملين في المنظمة بسبب الجنس والعمر والقومية وبلدا المنشأ والقيم والثقافة والدين والمعتقد والأقلية والأكثرية. وإذا ما أحسنت الإدارة التعامل مع هذا التنوع فإنه يمثل غنى كبير للمنظمة يخلق ميزات تنافسية متفردة.
* القيادة Leadership
تمثل القيادة في منظمات الأعمال تحديا مستمرًا وعنصرا فاعلًا في النجاح أو الفشل. إن للقيادة دور مهم في خلق مجتمع معرفي إبداعي باعتبارها رمزا لوحدة المنظمة وبالتالي فإن القادة الإداريون الناجحون هم رموز في المجتمع. وفي السنوات المعاصرة تمت الإشارة إلى مجموعة من الخصائص التي اتصفت بها القيادات الناجحة في منظمات الأعمال بحيث شكلت هدفا مستقبليا يجب أن يصل إليه القادة في مختلف منظمات الأعمال وهذه الخصائص هي:
- مفكر استراتيجي شمولي Global Strategist
أي أن القائد لديه القدرة على فهم العلاقات المتداخلة بين القوميات والثقافات والاقتصادات المعاصرة عند ممارسة التخطيط والتنفيذ.
- إتقان التعامل مع التكنولوجيا Master of Technology
له القدرة الكافية على التعامل مع تكنولوجيا المعلومات والتنبؤ التكنولوجي ومعرفة اتجاهات تطوره واستخدامه في خلق ميزات تنافسية.
- قائد ملهم Inspiring Leader
يجتذب العاملين الماهرين إلى منظمته ولديه القدرة على إلهامهم وتحفيزهم لأداء أعمالهم من خلال بناء ثقافة منظمية متميزة.
- نموذج في سلوكه الأخلاقي Model of Ethical Behavior
يتصرف دائمًا ضمن إطار أخلاقي ويضع معايير أخلاقية عالية مع بناء ثقافة منظمية داعمة للأخلاق والمسئولية الاجتماعية.

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

المرجع: العامري، صالح مهدي محسن، وطاهر محسن منصور الغالبي، (2011م)، (كتاب : الإدارة والأعمال)، الصادر عن دار وائل للنشر والتوزيع، الأردن، عمان، الطبعة الثالثة، ص 28

تحميل محتوى الصفحة رجوع