العدالة التنظيمية Organizational Justice
مقدمة
العدل أو العدالة هي واحدة من القيم التي انبثقت عن عقيدة الإسلام في مجتمع الإسلام، فلجميع الناس في مجتمع الإسلام حق العدالة وحق الاطمئنان إليها، عملا بقوله تعالى: ﴿وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ﴾. وقد دعا الإسلام إلى عدالة اجتماعية شاملة ترسيخًا لفكرة العدل مبدءًا وتنمية لها سلوكًا، لأن العدل هو أهم الدعائم التي يقوم عليها كل مجتمع صالح ومجتمع الإسلام يقوم على الوحدة بين العبادة والمعاملة والقيم الاقتصادية والقيم المعنوية، والدنيا والآخرة.
والعدالة هي المطلب النهائي والهدف الغائي لأي تجمعات بشرية متوازنة، فلا يمكن لأي تخطيط أو إستراتيجية أو تكتيك أن يتخطى هذا المبدأ في أبعاده السياسية أو الثقافية أو الاجتماعي أو الاقتصادي كما أن الإعراض عن هذا المبدأ تحت أي ظرف يعد أمرًا مرفوضًا إسلاميًا.
وقد تنبه علماء الاجتماع منذ زمن طويل إلى أهمية مبادئ العدالة وقيمها التي وفَّرها الإسلام أساسًا للأداء المميز للمنظمات، وتحقيقًا لرضى الأفراد العاملين فيها، الأمر الذي دفع علماء الإدارة الحديثة إلى تركيز اهتمامهم على الكثير من الظواهر المتعلقة بمفهوم العدالة كاختيارات التوظيف، والأجور المتكافئة، وأدى بهم إلى اعتبار العدالة التنظيمية أحد المكونات الأساسية للهيكل الاجتماعي والنفسي للمنظمة، حيث تعتبر العدالة التنظيمية قيمة اجتماعية ونمطًا اجتماعياًَ، يؤدي غيابه إلى مخاطر جسيمة تهدد المؤسسة والفرد معًا إذ أن إدراك العاملين لعدم توافر العدالة يؤدي بهم إلى ممارسات سلوكية سلبية، كنقص الولاء للمنظمة والنية في تركها، وزيادة معدل دوران العمل، إضافة إلى سلوكيات الانتقام الموجهة نحو المؤسسة أو قادتها. والعدالة التنظيمية ترتبط بشكل جوهري بقيم العاملين وعلاقاتهم الاجتماعية، وهي تؤثر بشكل مباشر على دوافع العاملين وجهودهم، الأمر الذي أدى إلى اعتبارها إحدى أهم نظريات السلوك الإنساني في المنظمات لفترة طويلة.
ويعود الاهتمام بالعدالة التنظيمية إلى العديد من الأسباب أبرزها: الحاجة إلى التخلي عن السياسات التنظيمية الهدامة القائمة على البيروقراطية ومشاعر الظلم والتهديد لدى العاملين، وتبني سياسات أخلاقية أخرى تتسم بالعدالة التنظيمية والدعم التنظيمي بما يكفل الاستمرارية والفعالية التنظيمية في الأجل البعيد كما يعود الاهتمام بالعدالة التنظيمية إلى وجود تحد في السعي لتقليل أو منع السلوكيات المعادية للمجتمع الصادرة عن الموظفين الناتجة أساسًا عن غياب العدالة التنظيمية.
ونظرًا للأهمية المتزايدة، لموضوع العدالة التنظيمية، فإنه من المنطقي أن تجرى الكثير من المحاولات الجادة لتطبيق نظريات العدالة الاجتماعية والإنسانية لفهم سلوك الأفراد داخل المنظمات، ولعل من الجدير بالذكر أن هذه المحاولات واجهت في بداياتها نجاحًا محدودًا لتفسير الكثير من صور السلوك التنظيمي، إلا أن استمرار المحاولات في السنوات الأخيرة حول وصف دور العدالة في المنظمات أدى إلى ظهور مفهوم العدالة التنظيمية لذا، شهد عقد التسعينيات من القرن العشرين، الذي تميز بتسارع وتيرة التغيرات العالمية، اهتمامًا متصاعدًا بالعدالة التنظيمية، بعد أن باتت الموارد البشرية التي تعتبر أهم الأصول في المنظمات – أكثر احتياجًا إلى الشعور بالاكتفاء النفسي والمادي.
ورغم أن مفهومي العدالة والمساواة يعدان من أعم المفاهيم المكونة للركيزة القيمية في الإدارة الحكومية، فإن اهتمام الدراسات والأبحاث الغربية الخاصة بالعدالة التنظيمية انصب بصورة واسعة على القطاع الخاص، مقابل اهتمام أقل في القطاع الحكومي. وإذا كانت أدبيات إدارة الأعمال في العالم الغربي لم تعط متغير العدالة التنظيمية ما يستحقه من بحث في القطاع الحكومي، فإن واقع أدبيات الإدارة الحكومية في العالم العربي أيضًا لم يبتعد كثيرًا عن تلك الحالة، مما يحتم ضرورة الاهتمام الجدي بالعدالة التنظيمية باعتبارها أحد المتغيرات التي تؤثر تأثيرًا جوهريًا في السلوك التنظيمي، خاصة أن العديد من الدراسات العربية، قد أثبتت وجود عدة سلبيات في القطاعات الحكومية العربية ناتجة عن تراجع درجة الإحساس بالعدالة التنظيمية ولعلّ من أبرز تلك السلبيات ارتفاع معدلات الإجازات المرضية وتراجع مستويات الالتزام التنظيمي.
والوزارات الفلسطينية التي تعد مؤسسات حديثة النشأة اضطلعت بمسؤولية النهوض بخطة السلطة الفلسطينية وواجهت العديد من التحديات، هي أحوج ما تكون إلى تحقيق العدالة التنظيمية لأنها السبيل الوحيد إلى تنمية الالتزام التنظيمي لتوجيه الجهود نحو التحرر وبناء الدولة الفلسطينية المستقلة.
أولا: العدل:
1- مفهوم العدل:
العدل اسم من أسماء الله الحسنى. والعدل مصدر للعدالة والاعتدال والاستقامة، وهو الميل إلى الحق. ويأتي اسم «العدل» في صورة المصدر بدلاً من الاسم «العادل». ويعني الاسم الذي لا يفعل إلا ما ينبغي له فعله وما يليق به سبحانه وتعالى. بالعدل قامت السماوات والأرض. وفي هذا إشارة واضحة إلى أن اختلال العلاقة بين الأركان الأساسية للكون تؤدي حتما إلى استحالة انتظام الكون.
ويسبق اسم «العدل» في ترتيب أسماء الله الحسنى، اسم «الحكم» ويليه اسم «اللطيف». وتعكس ثلاثية أسماء الله الحسنى متتالية بهذا الشكل حكمة بالغة في وصف معنى ومفهوم العدالة. فالحكم الذي لا مرد لقضائه ولا معقب على حكمه لابد أن تكون صفته الأساسية العدالة. وفي ذلك إشارة واضحة إلى وجوب تحقيق العدالة من خلال حكم عادل. أما اسم «اللطيف» فهو الذي لطفت أفعاله وحسنت، أو الذي لا تدركه الحواس، أو العليم بخوافي الأمور ودقائقها، أو البر بعباده الذي يلطف بهم من حيث لا يعلمون ويهيئ مصالحهم من حيث لا يحتسبون وبنظرة فاحصة إلى أسماء الله الحسنى السابقة نجد أنها تجسد خصائص أساسية ومتصلة للعدالة وهي الحكم العدل اللطيف.
2- كلمة العدل في القرآن الكريم
وردت كلمة «عدل» (13) مرة في القرآن الكريم، كما وردت في صيغة الأمر «اعدلوا» مرتين، وفي صيغة المضارع للجمع «يعدلون» خمس مرات. أما «عدل» فوردت مرة واحدة، كذلك وردت كلمة «تعدلوا» أربع مرات، في حين وردت كلمة «لأعدل» مرة واحدة، أما «فعدلك» وردت مرة واحدة، و«عدلاً» مرة واحدة أيضا. وبذلك يتضح أن عدد مرات ورود الكلمة وفعلها ومصدرها ومشتقاتها (28) مرة في القرآن الكريم.
ثانيًا: مفهوم العدالة التنظيمية:
العدالة التنظيمية ظاهرة تنظيمية ومفهوم نسبي، وذلك لأهمية الأثر الذي يمكن أن يحدثه شعور العاملين بالعدالة أو عدم العدالة في مكان العمل. والذي يمكن أن يؤدي إلى تراجع مستويات الأداء التنظيمي مهما بلغت قوة سائر عناصر العملية الإدارية، وهي أحد المتغيرات التنظيمية المهمة المؤثرة على كفاءة الأداء الوظيفي للعاملين من جانب وعلى أداء المنظمة من جانب أخر ففي الحالات التي يزداد فيها شعور العاملين بعدم العدالة يترتب العديد من النتائج السلبية كانخفاض الرضا الوظيفي وتدني سلوكيات المواطنة التنظيمية وانخفاض الالتزام التنظيمي، إضافة إلى انخفاض الأداء الوظيفي بصفة عامة. وخلافًا لذلك، فإن ارتفاع إحساس العاملين بالعدالة يؤدي إلى زيادة ثقتهم في إدارة المنظمة وزيادة قناعتهم بإمكانية الحصول على حقوقهم وما يعنيه ذلك من ارتقاء سلوكيات الأفراد بعد الاطمئنان إلى سيادة العدالة ومن ثم الوثوق في المنظمة.
ويمكن تعريف العدالة التنظيمية بأنها «الطريقة التي يحكم من خلالها الفرد على عدالة الأسلوب الذي يستخدمه المدير في التعامل معه على المستويين الوظيفي والإنساني»، كما يمكن تعريف العدالة التنظيمية بأنها «الطريقة التي تعكس عدالة المخرجات وعدالة الإجراءات المستخدمة في توزيع تلك المخرجات، وتعتبر العدالة مطلبًا أساسيًا للأداء الفعال بالمنظمات وتحقيق الرضا الشخصي للأفراد العاملين فيها فقد أولى العديد من أصحاب نظريات الإدارة الحديثة أهمية كبيرة للمعاملة العادلة وحل الشكاوى والمشاركة في صنع القرار الديمقراطي وتركز العدالة التنظيمية على مدى إدراك العاملين للمعاملة العادلة في وظائفهم وتأثير ذلك على العديد من المخرجات التنظيمية.
والعدالة التنظيمية مفهوم نسبي يتحدد في ضوء ما يدركه العامل من نزاهة وموضوعية المخرجات والإجراءات داخل المنظمة، بمعنى آخر فإن الإجراء التنظيمي الذي قد يدركه أحد الموظفين على أنه إجراء متحيز وغير موضوعي (الترقية على أساس الجدارة وليس الأقدمية مثلاً) قد يدركه موظف آخر على أنه إجراء يتميز بدرجة عالية من الموضوعية وعدم التحيز ويعكس هذا الفكر مفهوم حساسية العدالة الذي يأخذ في الحسبان الفروق الفردية والنفسية للعاملين ومدى استجابتهم للعديد من المواقف وللقرارات التنظيمية ولذلك فمن الطبيعي أن تتباين ردود أفعال الأفراد بشأن إدراك العدالة أو عدمها، وذلك نظرا لاختلاف تفضيلاتهم، أي أن الأفراد يختلفون فيما بينهم في مدى حساسيتهم للعدالة.
وعليه يمكن القول، إن الاهتمام بمفهوم العدالة التنظيمية يرجع إلى حقيقة أن تلك العدالة هي أحد المتغيرات التنظيمية المهمة المؤثرة على كفاءة الأداء الوظيفي للعاملين من جانب وعلى أداء المنظمة من جانب آخر وحتى يصبح مكون العدالة فعالا فلابد أن تسعى إدارة المنظمة لإقرارها في كافة مجالات العمل. وتتعدد مجالات العدالة التنظيمية لتشمل كافة جوانب الحياة التنظيمية مثل قرارات التعيين والتدريب وتقييم الأداء والترقية وإنهاء خدمات العاملين وتوزيع أعباء العمل ووضع جداول العمل وتخصيص مساحات المكاتب في مكان العمل وما إلى غير ذلك من إجراءات تنظيمية تخص العاملين بشكل مباشر أو غير مباشر.
ثالثاً: أبعاد العدالة التنظيمية:
رغم أن مفهوم العدالة التنظيمية مفهوم إداري عام ينطبق على المنظمات، ورغم إمكانية
التعامل معه على أنه مفهوم أحادي البعد، إلا أن طبيعة هذا المفهوم وأهميته تستدعي بالضرورة التعامل معه على أنه مفهوم ثلاثي الأبعاد، وبشكل أكثر دقة، يمكن تقسيم الأبعاد الأساسية لمفهوم العدالة إلى ثلاثة أبعاد هي:
1- عدالة التوزيع: (Distributive Justice)
2- عدالة الإجراءات: (Procedural Justice)
3- عدالة التعامل: (Interactional Justice)
1- عدالة التوزيع: (Distributive Justice)
عدالة التوزيع هي «عدالة المخرجات التي يحصل عليها الموظف أي أنها تتعلق بعدالة توزيع المكافآت. وتتعلق عدالة التوزيع بالنتائج أو المخرجات التي يحصل عليها الفرد من وظيفته وخاصة مخرجات توزيع الأجور أو المزايا العينية أو الترقيات ويتحقق إحساس العاملين بعدالة التوزيع في المنظمة عندما يشعر الفرد أن ما حصل عليه من مكافآت يتناسب مع ما بذل من جهد مقارًنا مع جهود زملائه.
ويمكن لإحساس العاملين بعدم عدالة توزيع المكافآت مقارنة بما بذلوه من جهد، أن يخلق نوعا من التوتر في العلاقات بين العاملين من جهة، وبين العاملين والإدارة من جهة أخرى، ولفهم أثر عدالة التوزيع على العلاقات بين العاملين داخل المنظمة بشكل أفضل، يجب تقدير الأهمية النسبية لقيم العمل الاقتصادية والاجتماعية من وجهة نظر العاملين. فإن زادت تلك الأهمية لدى العاملين، فإن الإحساس بعدالة التوزيع سوف يكون له الأثر الأكبر على سلوكهم. أما في الحالات التي تطغى فيها القيم الاجتماعية للعاملين على قيمهم الاقتصادية فإن الإحساس بعدالة التوزيع سوف يكون أقل أهمية في (التأثير على سلوكهم وعليه، يتضح أن لعدالة التوزيع جانبين أساسيين هما:
- جانب مادي (هيكل التوزيعات) ويعبر عن حجم أو مضمون ما يحصل عليه الفرد من مكافآت.
- جانب اجتماعي ويعبر عن المعاملة الشخصية التي يعامل بها المدير الفرد الذي يحصل على المكافآت.
2- عدالة الإجراءات (Procedural Justice)
هي قضايا العدالة المتعلقة بالطرق والآليات والعمليات المستخدمة في تحديد المخرجات أو النتائج، وهي«المحدد الأساسي لإدراك العاملين للعدالة التنظيمية أي الطريقة التي تم من خلالها التوصل إلى مضمون ونوعية قرار توزيع المخرجات»، فعندما يجري العاملون تقييما لعدالة القرارات الصادرة عن الإدارة، فإن تركيزهم ينصب على كل من المخرجات الناتجة أي ما إذا كان تقييم الأداء الذي تم تحديده عادلا، وعلى كيفية اتخاذ القرار أي ما المعايير المستخدمة في عملية التقييم.
وتمثل عدالة الإجراءات انعكاسا لمدى «إحساس العاملين بعدالة الإجراءات التي استخدمت في تحديد المخرجات»، وتعكس عدالة التوزيع أيضا مدى إدراك أو إحساس العاملين بأن الإجراءات المتبعة بواسطة المنظمة في تحديد من يستحق المكافآت هي إجراءات عادلة وهي تعكس في نفس الوقت التصور الذهني لعدالة الإجراءات المتبعة في اتخاذ القرارات التي تمس الفرد. ويتحقق هذا النوع من العدالة عندما يتاح للموظف فرصة مناقشة الأسس والقواعد التي سوف يتم على أساسها تقييم أدائه.
ويمكن تعريف عدالة الإجراءات بأنها «الإجراءات الرسمية العادلة أي الإجراءات التي جرى تصميمها لزيادة المشاركة في اتخاذ القرارات أو السعي من خلال تبني إجراءات معينة لتقليل الانحياز والأخطاء في القرارات التي يتم اتخاذها، وكذلك قدرة الموظف على تحدي الطعن في تقييمات الأداء، إضافة إلى ثبات المعايير المستخدمة لتقييم «الموظفين». ولذا فإن الإجراءات التنظيمية التي صممت لتكون موضوعية وعادلة، لن تتحقق لها هذه الصفة إلا بشرطين هما:
- أن يتفق الطرفان الأول الذي يضع الإجراءات التنظيمية (الإدارة)، والثاني الذي يتأثر بتلك الإجراءات (العاملين)، على الأسس الموضوعية التي يتم بناء عليها صياغة تلك الإجراءات.
- على الطرف الأول (الإدارة) أن يزود الطرف الثاني (العاملين) بالمعلومات الكافية عن كيفية تطبيق تلك الإجراءات.
وبناء على ذلك يمكن القول أن عدالة الإجراءات تشمل ثلاثة عناصر هي:
1- القواعد والمعايير الرسمية للإجراءات.
2- شرح الإجراءات وعملية صنع القرار.
3- التفاعل بين من يقوم بتطبيق القواعد (متخذ القرار) والأفراد الذين يتوقع أن يتأثروا بالقرار.
ومن المتوقع أن يؤدي وجود فجوة بين الإجراءات التنظيمية الموضوعية وبين الممارسات الخاصة بتطبيق تلك الإجراءات، إلى تعميق إحساس العاملين بفجوة العدالة الإجرائية، لذا فإن مسئولية ردم هذه الفجوة تقع إلى حد كبير على عاتق المدير المباشر. الذي وإن لم يكن غير مسئولا عن صياغة الإجراءات التنظيمية، إلا أنه يبقى المسئول عن وضع تلك الإجراءات موضع التنفيذ، وهنا يكمن مصدر إحساس العاملين بالعدالة التنظيمية أو عدم إحساسهم بها.
إضافة إلى ما سبق يتضح جليا وجود علاقة ارتباط بين كل من عدالة التوزيع وعدالة الإجراءات. وإحساس العاملين بعدالة التوزيع مرتبط إلى حد كبير بإحساسهم بأن قرارات التوزيع تمت طبًقا لطرق وقواعد إرشادية عادلة. فعدالة الإجراءات، تعكس إحساس العاملين بعدالة الإجراءات التي تتبع في اتخاذ القرارات المتصلة بتوزيع النواتج، ويلاحظ أن العدالة الإجرائية تشتمل على جانبين هما:
- الجانب الأول: هو الجانب الهيكلي الذي يعبر عن الإجراءات الرسمية للعدالة داخل المنظمة مثل إجراءات تقييم الأداء، تحديد الأجور، النقل والترقية.. الخ.
- الجانب الثاني: هو الجانب الاجتماعي الذي يعبر عن احترام متخذي القرارات للعاملين، وذلك عن طريق إخبارهم بكيفية اتخاذ القرارات وقد تم تسمية هذا الجانب عدالة التعاملات.
ويعكس الجانب الأول أهمية وضع مجموعة من القواعد الواجب إتباعها عند اتخاذ القرارات الخاصة بتوزيع المخرجات. ولقد تبارى الباحثون في تحديد الخصائص المميزة للجانب الهيكلي بهدف التوصل إلى أفضل معايير موضوعية تصف هذا الجانب وصًفا يساهم بشكل مباشر في تحقيق عدالة الإجراءات. وقد تم تحديد المكونات الهيكلية التي يعتقد أنها تشكل القالب الذهني لإدراك الأفراد لمعنى العدالة، من خلال الوفاء أو الإخلال بمجموعة القواعد الإجرائية الآتية:
- قاعدة الاستئناف: بمعنى وجود فرص لتبديل وتعديل القرارات إذا ما ظهر ما يبرر ذلك ويدعمه ومثال ذلك أن يتم تعديل هيكل الأجور أو بعض بنوده في حالة ارتفاع الأسعار أو زيادة نسبة التضخم في الدولة.
- القاعدة الأخلاقية: وجوب توزيع المصادر وفًقا للمعايير الأخلاقية السائدة.
- قاعدة التمثيل: وجوب استيعاب عملية اتخاذ القرار لوجهات نظر أصحاب العلاقة وتشير هذه القاعدة إلى أهمية مشاركة العاملين في صياغة اللوائح أو مناقشة القرارات التنظيمية التي يمكن أن تؤثر عليهم.
- قاعدة عدم الانحياز: وجوب تغليب المصلحة الشخصية من التأثير على مجريات عملية اتخاذ القرار، حيث إن تفضيل الصالح العام يمثل مرتكزا مهما من مرتكزات العدالة التنظيمية.
- قاعدة الدقة: وجوب اتخاذ القرارات بناء على معلومات صحيحة وسليمة ودقيقة وتعتبر الشفافية والإفصاح من المبادئ المهمة التي يجب تفعليها إذا ما أرادت المنظمة تحقيق درجة عالية من العدالة.
- قاعدة الانسجام: وجوب انسجام إجراءات توزيع الجزاءات والمكافآت على جميع الأفراد ويلاحظ أن هذه القواعد لا تتمتع بأوزان متساوية في أغلب الأحوال، بل إن الأفراد يميلون بصورة انتقائية إلى تفضيل قواعد معينة دون الأخرى وذلك وفقا لمقتضيات المواقف. لذا تم اقترح مجموعة أخرى
من الخصائص المميزة للإجراءات الهيكلية أهمها:
- اعتبار وتقدير وجهة نظر الموظف.
- تجنب التحيز الشخصي.
- تطبيق متناسق للمعايير على الجميع.
- إعطاء الموظف القدر المناسب من المعلومات المفسرة لقرار.
وقد تم تحديد مجموعة إضافية من المكونات المؤثرة على عدالة الإجراءات هي:
- ثبات الإجراءات.
- عدم التحيز.
- دقة الإجراءات.
- صحة الإجراءات.
- واقعية الإجراءات وأخلاقياتها.
وبرغم الاختلاف الظاهري بين المجموعات السابقة من المعايير إلا أنها تؤكد حقيقة أن الاهتمام بتحديد الوسائل (عدالة الإجراءات)، لا يقل أهمية عن تحديد النتائج (عدالة التوزيع)، وأن تحقيق واحدة منهما لا يغني عن تحقيق الأخرى.
3- عدالة التعامل (Interactional Justice)
تمثل عدالة التعامل ثاني مكونات عدالة الإجراءات وثالث مكونات العدالة التنظيمية. كما تمثل معتقدات أو أفكار الفرد بشأن جودة المعاملة الشخصية التي يحصل عليها من صانعي القرارات عند وضع الإجراءات. كما تمثل عدالة المعاملة التي يحظى بها الموظف لدى تنفيذ الإجراءات الرسمية أو في تفسير هذه الإجراءات. وفي حالات كثيرة يمكن أن تؤثِّر الطريقة التي يعامل بها الموظف -عند تنفيذ إجراء تنظيمي معين - على إحساسه بالعدالة التنظيمية وعلى إحساسه بالتعامل العادل بين الأشخاص، أو قد يؤثر كلاهما على الأحكام الخاصة بعدالة الإجراءات لذا فإن عدالة التعامل تعكس جودة العلاقات الشخصية بين الرئيس المباشر والعاملين خلال عملية تقييم الأداء مثلا، كما أنها تعكس مقدار الاحترام ودماثة الخلق التي يبديها الرئيس المباشر عند إخطار الموظف بالكيفية التي اتخذ بها القرار.
وتعكس عدالة التعامل أيضا، مدى إحساس العاملين بعدالة المعاملة التي يلقاها الفرد عندما تطبق عليه بعض الإجراءات الرسمية في المنظمة أو معرفته بأسباب تطبيق تلك الإجراءات. وهي تتعلق بجودة المعاملة بين الفرد ومتخذ القرار، وتعكس درجة تطبيق الإجراءات الرسمية بصورة صحيحة.
وتتضمن عدالة التعامل جانبين هما:
- معاملة الأفراد بواسطة الرؤساء.
- تقديم شرح مناسب للقرارات إلى الأفراد الذين يتأثرون بها، فالتبرير المقبول أو المنطقي الذي تقدمه المنظمة بشأن قراراتها يؤدي إلى إدراك أعلى للعدالة من جانب العاملين.
ولا شك أن الأبعاد السابقة مجتمعة تساعد بشكل كبير على تفهم طبيعة عدالة التعامل، إضافة إلى أنها تلقي الضوء على تأثير القيادة الإدارية على تحقيق العدالة التنظيمية في أبعادها الثلاثة.
رابعًا: نظريات العدالة التنظيمية
يمكن تصنيف نظريات العدالة التنظيمية بالاعتماد على بعدين هما:
1- بعد رد الفعل – الفعل المسبق (Reactive- Proactive Dimension):
تركز نظريات رد الفعل على محاولات الأفراد الهروب من ظروف عدم العدالة التنظيمية، وبعبارة أخرى تختبر هذه النظريات ردود فعل الأفراد لمدركات عدم العدالة التنظيمية أما نظريات الفعل المسبق فتركز على السلوكيات المصممة أو الموجهة لتحقيق العدالة التنظيمية أو تجنب ظروف عدم العدالة التنظيمية في المستقبل.
2- بعد المحتوى – العمليات (Content – Process Dimension):
تم تطوير هذا البعد بالاعتماد على المنظور القانوني الذي يفرق بين الأحكام الصادرة وبين طريقة صدور هذه الأحكام، ولذا فإن نظريات المحتوى تركز على المخرجات أو النتائج ذاتها وبعبارة أخرى، فإن هذه النظريات تهتم بالعدالة التوزيعية، أما نظريات العمليات فتركز على كيفية تحديد المخرجات أو النتائج، بمعنى أنها تركز على الإجراءات المستخدمة في اتخاذ القرارات التنظيمية وتنفيذها أي أنها تهتم بالعدالة الإجرائية.
ومن منظور بعدي العدالة التنظيمية يمكن تصنيف نظريات تلك العدالة إلى قسمين كما يلي:
1- نظريات العدالة التوزيعية.
2- نظريات العدالة الإجرائية.
وفيما يلي شرح لهذه النظريات:
1- نظريات العدالة التوزيعية (Distributive Justice Theory)
يتم تصنيف نظريات العدالة التوزيعية إلى نظريات محتوى رد الفعل، ونظريات محتوى رد الفعل المسبق، وذلك على النحو التالي:
1-1 نظريات محتوى رد الفعل:
تشتمل هذه النظريات على أربع نظريات فرعية هي:
1- نظرية العدالة.
2- نظرية التبادل الاجتماعي.
3- نظرية حساسية العدالة.
4- نظرية الحرمان النسبي.
1-1-1- نظرية العدالة (Equity theory)
استخدم أدمز Adams( ) (1963) نظرية التنافر أو اللاانسجام الإدراكي (Cognitive Dissonance Theory)، أساسًا لنظرية العدالة، حيث تؤكد هذه النظرية أن الفرد يعاني من اللاانسجام الإدراكي عندما تخرج الأحداث عن نطاق توقعاته. وتمثل نظرية العدالة الجذور التاريخية للعدالة التنظيمية وقد بنى أدمز هذه النظرية على الفرضين التاليين:
أ- أن الأفراد يكونون دائماً في حالة مستمرة من المقارنات الاجتماعية مع الجماعات المرجعية أي أن الفرد يقيس بشكل مستمر نسبة مخرجاته المدركة إلى مدخلاته المدركة مع مقارنة هذه النسبة بالنسبة الخاصة بالشخص المرجعي وقد عرف أدمز المخرجات على أنها الامتيازات التي يحصل عليها الفرد في التبادل الاجتماعي مثل النقود والمكافآت وزيادة السلطة وتحسن المركز الاجتماعي والمدح والتقدير ومهام العمل الشيقة أما المدخلات فهي الصفات أو الخصائص التي يمتلكها الفرد مثل العمر، الحالة الاجتماعية، التعليم، الخبرة، المهارة، الجهد والدافع.
ب- إن الفرد مدفوع أساساً بواسطة مدركات عدم العدالة وبعبارة أخرى فإن الاستجابات لظروف عدم العدالة أكثر فعالية منها لظروف العدالة، حيث تخلق ظروف عدم العدالة نوعين مختلفين من ردود الفعل الاجتماعي هما:
- الغضب: إذا أدرك الفرد أن مدخلاته تفوق مخرجاته بدرجة كبيرة، أو أن نسبة مخرجاته تقل عن النسبة الخاصة بالشخص المرجعي.
- الشعور بالذنب: إذا أدرك الفرد أن مخرجاته تفوق مدخلاته بدرجة كبيرة أو أن نسبة مخرجاته إلى مدخلاته تفوق النسبة الخاصة بالشخص المرجعي.
:(Social Exchange Theory) 2-1-1 نظرية التبادل الاجتماعي
1-1-2- نظرة التبادل الاجتماعي (Social Exchange Theory):
وضع بلو Blau (1964) نظريته بالاعتماد على الفرضين التاليين:
أ- طالما أن الإنسان هو مخلوق اجتماعي لا يمكنه العيش بمفرده، فان البشر في حالة تفاعل أو تبادل اجتماعي مستمر، وعند النظر لعلاقة التبادل الاجتماعي في شكلها البسيط بين طرفين نجد أنها علاقة أخذ وعطاء متبادل وبعبارة أخرى فإن الطرف الأول يحصل على فوائد من الطرف الآخر (مخرجات الطرف الأول) مقابل التزامات يتم تقديمها للطرف الآخر (مدخلات الطرف الأول) وبناء على ذلك يقارن كل طرف مدخلاته مع مخرجاته لتحديد عدالة أو عدم عدالة التبادل الاجتماعي.
ب- عندما يدرك الفرد عدم العدالة فإنه يكون مدفوعاً للقيام بعمل ما يساعده على إدراك العدالة في الموقف أما إذا كان الفرد في حالة عدالة، فإنه يكون في وضع استقرار من زاوية التبادل الاجتماعي وليس مدفوعاً لأي عمل لأنه يشعر بالرضا.
1-1-3 نظرية حساسية العدالة (Equity Sensitivity Theory):
لاختبار نظريتي العادلة والتبادل الاجتماعي قام جرينبرج( ) Greenberg (1979) بدراسة مدركات العدالة التوزيعية لمجموعة من الأفراد الذين يؤمنون بشدة بالأخلاق أو القيم البروتستانتية، فتوصل إلى أن الافتراضات الخاصة بنظريتي العدالة والتبادل الاجتماعي لا تنطبق على هؤلاء الأفراد. وبعبارة أخرى فإن هؤلاء الأفراد لا يأخذون في اعتبارهم مفهوم المقارنات الاجتماعية بالجماعات المرجعية، كما أنهم على استعداد لتقديم التزامات تفوق ما يحصلون عليه من فوائد في علاقات التبادل الاجتماعي وبالاعتماد على نتائج هذه الدراسة قدم هيوسمانHuseman (1987) منظورًا جديدًا للعدالة التوزيعية، حيث يرى الباحثون أنه يمكن تصنيف الأفراد إلى ثلاث فئات من زاوية الحساسية للعدالة، هي:
أ- الشخص الحساس للعدالة (Equity Sensitive Person):
هو الشخص الذي يخضع في تقييمه للعدالة لافتراضات نظريتي العدالة والتبادل الاجتماعي، حيث يسعى هذا الشخص باستمرار لتحقيق العدالة في التبادل الاجتماعي، لذا فإذا أدرك هذا الشخص ظروف عدم العدالة فإنه يتحرك في أحد الاتجاهين هما:
- زيادة مخرجاته أو تخفيض مدخلاته في حالة الشعور بالغضب.
- تخفيض مخرجاته أو زيادة مدخلاته في حالة الشعور بالذنب.
ب- الشخص الخيري (Benevolent Person):
هو الشخص الذي يشعر بالعدالة فقط، عندما تزيد مدخلاته عن مخرجاته عند المقارنة الاجتماعية بالجماعة المرجعية، لذا فإنه يقبل نصيبه من الحياة، ويسعى دائماً لتقديم المزيد من الالتزامات للغير بحيث تفوق ما يحصل عليه من فوائد في علاقات التبادل الاجتماعي.
ج- الشخص غير الخيري (Entitled Person):
هو الشخص الذي يشعر بالعدالة فقط، عندما تزيد مخرجاته عن مدخلاته عند المقارنة الاجتماعية بالجماعة المرجعية، لذا فإنه لا يقبل نصيبه من الحياة، ويسعى دائمًا لحصول على المزيد من الفوائد من الغير تفوق ما يقدمه لهم من التزامات في علاقات التبادل الاجتماعي.
1-1-4 نظرية الحرمان النسبي (Relative Deprivation Theory)
أن نظرية مارتن Martin (1981) أن نظرية الحرمان تتشابه مع نظرية العدالة Adams (1965, 1963) باعتبار أن النظريتين تفترضان قيام الفرد بشكل مستمر، بقياس نسبة مخرجاته المدركة إلى مدخلاته المدركة، مع مقارنة هذه النسبة مع النسبة الخاصة بالشخص المرجعي لتقييم العدالة التوزيعية، حيث يواجه الفرد مشاعر الحرمان عندما تشير المقارنة الاجتماعية إلى عدم العدالة في توزيع المكافآت.
ورغم ذلك، فقد أشارت دراسة غربوسي Crobsy (1984) إلى أن نظرية العدالة تمثل أحد محوري نظري الحرمان النسبي، حيث قام بالتمييز بين نوعين أساسين للحرمان النسبي:
أ- الحرمان الذاتي الفردي (Individual Egocentric Deprivation):
والذي يعتمد على المقارنات الفردية بين الأفراد، وتعبر نظرية العدالة عن هذا النوع من الحرمان النسبي.
ب- الحرمان الجماعي (Group based Fraternal Deprivation):
والذي يعتمد على المقارنات بين الجماعات، ويركز هذا النوع على عدم التساوي الدائم بين الجماعات المختلفة بالاعتماد على مؤشرات توزيعية متعددة مثل: نسبة المديرين إلى العاملين في كل جماعة، ونسبة الذكور إلى الإناث في كل جماعة، ونصيب كل جماعة من الموارد المختلفة. وبناء على هذه المؤشرات يبني كل فرد معتقدات بشأن عدالة أو عدم عدالة التوزيعات التي تحصل عليها الجماعة التي ينتمي إليها.
وقد أشارت دراسة مارتن Martin (1993) إلى أنه في ظروف معينة، فإن أعضاء الجماعة المحرومة أو الأقل مكانة – خاصة هؤلاء الذين لا تتناسب طريقة تفكيرهم وطموحاتهم مع مراكزهم الاجتماعية المنخفضة – سوف يقارنون أنفسهم مع أعضاء الجماعات الأعلى في المنزلة، لذا فإن نتائج المقارنة الاجتماعية غالباً ما تكون غير مرضية أو غير عادلة، والمحصلة هي زيادة الحرمان الجماعي ولذا، فقد أكدت هذه الدراسة ضرورة الاهتمام بوجهات نظر أعضاء هذه الجماعات المحرومة في بحوث العدالة التوزيعية.
2-1 نظريات محتوى الفعل المسبق:
تشتمل هذه النظريات على نظريتين أساسيتين هما: نظرية تقييم العدالة، ونظرية دافعية العدالة ويؤكد جرينبيرج Greenberg( ) (1987) على أن النظريتين -على اختلاف مضامينها تتنبآن بكيفية توزيع المكافآت في الوظائف أو المواقف المختلفة. وفيما يلي شرح لهاتين النظريتين:
1-2-1 نظرية تقييم العدالة (Justice Judgment Theory)
يرى ليفنذال Leventhal (1976) أن مدركات التابعين للعدالة التوزيعية هي دالة في قرارات القادة لدرجة العدالة التوزيعية التي يجب إحداثها. إذ أن بعض القادة يرون ضرورة وجود عدالة توزيعية لكن غير تامة، على أساس أن الضغط البسيط الناتج عن نقص مدركات العدالة التوزيعية قد يدفع التابعين لبذل الجهد.
وقد ناقش Leventhal (1980) ثلاثة قواعد أو مبادئ رئيسية تحدد عدالة المخرجات هي:
أ- قاعدة الإسهامات أو الجهد: (Contributions Rule)
وتهدف إلى تحقيق مستويات إنتاجية مرتفعة ومعدلات أداء عالية.
ب- قاعدة الحاجات أو الاحتياجات: Needs Rule
وتهدف إلى الحفاظ على الانسجام أو التوافق بين أعضاء الجماعة.
1- 2-2 نظرية دافعية العدالة: (Justice Motive Theory)
يقترح ليرنر Lerner (1977) خلافًا لآراء ليفنذال( )Leventhal (1976)، أن تعظيم مدركات التابعين للعدالة التوزيعية كفيل بخفض درجات الضغط التي يتعرضون لها، ومن ثم دفعهم لبذل المزيد من الجهد.
وقد طور ليفنذال Leventhal (1982) أربع طرق لتوزيع المخرجات أو المكافآت هي:
أ- التوزيع التنافسي بالاعتماد على نتائج الأداء Competition Allocation.
ب- التوزيع المتوازن بالاعتماد على الإسهامات .Stable Allocation
ج- التوزيع المتساوي بغض النظر عن نتائج أو الإسهامات Equal Allocation.
د- التوزيع الماركسي بالاعتماد على الاحتياجات Marxian Allocation.
ويضيف ليرنر Lerner( ) (1982) أنه لا توجد طريقة مثلى للتوزيع، فاختيار الطريقة المناسبة يتوقف على المتغيرات الموقفية مثل: ثقافة المجتمع وحجم المخرجات أو المكافآت والهدف المراد تحقيقه من عملية التوزيع.
2- نظريات العدالة الإجرائية:
يتم تصنيف العدالة الإجرائية إلى: نظريات عمليات رد الفعل ونظريات عمليات الفعل المسبق، وذلك على النحو التالي:
2- 1نظريات عمليات رد الفعل:
تعتبر هذه النظرية في مجال العدالة الإجرائية بمثابة نموذج أولي لنظريات عمليات رد الفعل لأنها تقيم ردود فعل الأفراد لإجراءات حل المشاكل أو علاجها، وهي تتضمن نمطين من مدخلات القرار، هما:
أ- التحكم في العملية (Process Control): يشير إلى قدرة الفرد على التعبير عن رأيه (Voice) خلال مرحلة العمليات التي يتضمنها علاج المشاكل (مرحلة ما قبل صدور القرار).
ب- التحكم في القرار (Decision Control): يشير إلى قدرة الفرد على الاختيار (Choice) أي أن يكون له كلمة أو تأثير في القرار الصادر (مرحلة صدور القرار).
2-2 نظرية عمليات الفعل المسبق:
تعتبر نظرية تفضيل التوزيع التي صممها ليفنذال Leventhal (1980) بمثابة نموذج أولي لنظريات عمليات الفعل المسبق. وتعد هذه النظرية نتيجة لنظرية تقييم العدالة، ونظرية تفضيل التوزيع ترتبط بالعدالة الإجرائية أكثر من ارتباطها بالعدالة التوزيعية وتؤكد هذه النظرية أن إجراءات توزيع المخرجات أو المكافآت تكون إيجابية (يؤيدها أو يفضلها الأفراد)، إذا كان من شأنها تحقيق أهدافهم، ومن هذه الأهداف شعورهم بالعدالة والإنصاف بصفة عامة.
وقد حددت هذه النظرية سبع مكونات للإجراءات التوزيعية التي يمكن أن تؤدي إلى تحقيق العدالة، وهذه المكونات هي:
أ- الاختيار الجيد لمراكز صناعة القرار.
ب- تعريف هيكل عملية صناعة القرار.
ج- تحديد القواعد الأساسية اللازمة لتقييم وجهات نظر مستقبلي المخرجات أو المكافآت.
د- تحديد أدوات وقائية لعرض ومراقبة سلوكيات كل من القائمين بتوزيع المخرجات أو المكافآت والمستقبلين لها.
هـ- جمع المعلومات عن ردود فعل العاملين، وصدى القرارات عليهم.
و- وضع الإجراءات التي تكفل تخفيض عدم رضا العاملين عن التوزيعات.
ز- وضع الآليات اللازمة لتغيير الإجراءات التوزيعية إذا اتضح عدم عدالتها.
كما طورت نظرية تفضيل التوزيع ست قواعد لتقييم عدالة الإجراءات التوزيعية، حيث أن الإجراء العادل يجب أن يتسم بما يلي: الثبات، عدم التحيز، الدقة أو الانضباط، القابلية للتصحيح عند الخطأ، توضيح اهتمامات جميع الأطراف، التوافق مع المعايير الفردية أو الجماعية للقيم والأخلاق.
وقد أكدت دراسة فولجر وكروبانزانو Folger & Cropanzano (1998) أن البحوث أثبتت أهمية القواعد الست السابقة للإجراءات العادلة، حيث أنها طبقت في العديد من المواقف والوظائف.
ويؤكد شان Chan (2000) أن عدالة التعامل تحتوي على مكونين هما:
أ- الحساسية الشخصية (Interpersonal Sensitivity): وتشير إلى المعاملة العادلة باحترام وأدب من جانب الرؤساء للمروؤسين.
ب- التفسيرات أو المحاسبة الاجتماعية (Explanations or Social Accounting): وتشير إلى قيام المنظمة بتقديم تفسيرات منطقية للعاملين بشأن أي مخرجات أو مكافآت غير مناسبة يتم توزيعها.
وقد طور تايلروليند Tyler &Lind (1992) ثلاثة نماذج لشرح العدالة الإجرائية ببعديها (الإجراءات الرسمية العادلة، وعدالة التعامل). وفيما يلي شرح لهذه النماذج:
أ- نموذج المصلحة الذاتي (Self –Interest Model): يطلق على هذا النموذج أيضًا مسمى منظور الوسائل أو الأدوات (Instrumental Perspective)، حيث يقترح هذا النموذج ما يلي:
- إن الإجراءات تستخدم كوسائل أو أدوات لتحقيق التوزيعات العادلة.
- عندما يعمل الفرد بمفرده فإنه يبحث عن التحكم في القرار (القدرة على الاختيار)، لأنه مهتم بتعظيم مصلحته الذاتية في شكل المخرجات أو المكافآت التي يحصل عليها، أما عندما يحتاج الفرد لأن يتعاون مع الآخرين فإن الاهتمام يتحول من التركيز على التحكم في القرار إلى التحكم في العملية (القدرة على التعبير عن الرأي) لأن ما يهم الفرد هو الشعور بأن لرأيه صدى كآراء الآخرين.
ب- نموذج القيم الجماعية (Group Value Model): تم تطوير هذا النموذج بالاعتماد على مفاهيم التماثل الجماعي، حيث يفسر هذا النموذج تأثير التعبير في مرحلة ما قبل صدور القرارات. ويؤكد هذا النموذج أن التماثل مع الجماعة وإجراءاتها يتحكمان في الأداء. فإذا نظر أعضاء الجماعة للإجراءات على أنها عادلة، أي أنها تسمح لهم بالتعبير عن آرائهم أو تمكنهم من المشاركة في عمليات الجماعة، فإنهم يعظمون من قيمة عضويتهم فيها، لأن وظيفة التعبير عن القيم تعزز الانتماء إلى التنظيم.
ج- نموذج علاقات السلطة في الجماعات (Relational Model of Authority in Groups): ويناقش هذا النموذج ثلاثة مفاهيم مرتبطة بعلاقات السلطة وتؤثر في مدركات: المرؤوسين للعدالة الإجرائية وهذه المفاهيم هي:
- الثقة في السلطة (Trust): وتقاس بمستوى عدالة القائد كحامل للسلطة، فإذا كان القائد يتصرف بعدالة ويأخذ في الاعتبار حاجات المرؤوسين وآراءهم فإنه يصبح شخصية موثوقة في نظرهم.
- عدم التحيز (Neutrality): أي إن الحكم على عدم تحيز القائد يتم من خلال اتخاذه لقرارات محايدة بالاعتماد على الحقائق، وعدم التفرقة بين المرؤوسين في المعاملة.
- المكانة أو السمعة الحسنة للقائد (Standing): وهي تعتمد على التاريخ السابق للقائد، والتي من شأنها تعزيز مكانة القائد في نظر مرؤوسيه كلما عاملهم باهتمام ولباقة مع احترام حقوقهم.
خامساً: نماذج العدالة التنظيمية
هناك نموذجان يشرحان التأثيرات الجوهرية لبعدي العدالة التنظيمية في ردود فعل العاملين داخل المنظمة، هما:
1- النموذج ثنائي العوامل (Two Factor Model): حيث اقترحت دراسة كونوفسكي وفولجر Konovsky and Folger (1991) أن لكل بعد من بعدي العدالة التنظيمية تأثيرات مختلفة اعتمادًا على الدراسات القانونية، وذلك من خلال ارتباط العدالة الإجرائية بدرجة أكبر مع التقييمات الأكثر عمومية، مثل تقييم مدى عدالة النظام القضائي، في حين أن العدالة التوزيعية ارتبطت بدرجة أكبر بالتقييمات على المستوى الشخصي مثل رضا المحكوم عليهم عن أحكام القضاة في القضايا الخاصة.
2- النموذج الإضافي (Additive Model): ويفترض النموذج إمكانية تأثير كل بعد من بعدي العدالة التنظيمية في التقييمات على المستوى الشخصي والمستوى التنظيمي وقد أكدت بعض الدراسات أن هذا النموذج هو الأكثر ملاءمة لقضايا العدالة في المنظمات.
سادساً: أهمية العدالة التنظيمية:
أثبتت نظريات العدالة التنظيمية خطورة غياب أي بعد من أبعاد العدالة التنظيمية، وذلك على النحو التالي:
1- بالنسبة لبعد العدالة التوزيعية: توصلت الدراسات إلى أن انخفاض مدركات العاملين لهذا البعد يمكن أن يسبب النتائج السلبية مثل: انخفاض مستوى الأداء الوظيفي، انخفاض مستوى جودة، ضعف المواطنة التنظيمية.
2- بالنسبة لبعد العدالة الإجرائية: توصلت الدراسات إلى أن عمليات صنع القرارات غير العادلة ترتبط بالعديد من النتائج السلبية مثل: انخفاض التقييم الكلي للمنظمة، ونقص الرضا الوظيفي، وانخفاض مستوى الالتزام التنظيمي، وانخفاض الأداء الوظيفي، وضعف المواطنة التنظيمية، وزيادة النزوع لترك العمل.
3- أما بالنسبة لبعد عدالة التعامل فقد أشارت الدراسات، أن عدم مراعاة الحساسية الشخصية (المكون الأول لعدالة التعامل) يترتب عليه نشأة الصراعات التنظيمية، وزيادة الاتجاهات السلبية نحو المنظمة والعمل، كما أكدت أن التوزيعات غير المواتية يتم استقبالها بشكل أفضل من جانب العاملين عند تقديم تفسيرات منطقية لها من قبل المنظمة (المكون الثاني لعدالة التعامل).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المرجع: أبو ندا، سامية خميس، رسالة ماجستير بعنوان: تحليل علاقة بعض المتغيرات الشخصية وأنماط القيادة بالالتزام التنظيمي والشعور بالعدالة التنظيمية - دراسة ميدانية على الوزارات الفلسطينية في قطاع غزة- قدمت هذه الرسالة استكمالاً لمتطلبات الحصول
على درجة الماجستير في إدارة الأعمال من الجامعة الإسلامية- غزة - عمادة الدراسات العليا - كلية التجارة - قسم إدارة الأعمال لعام 1428هـ/ 2007م.