لاشك أن ثمة صعوبة يجدها دارسوا العلوم والفنون العسكرية في التمييز بين أنواع العقيدة العسكرية وهذا ما يشكل بحد ذاته مانعا من الإلمام العميق والفهم الكامل لمعنى العقيدة العسكرية ، ومن اجل الفهم الكامل الشامل لمعنى العقيدة العسكرية فانه لابد من التعرف على أنواع العقيدة العسكرية والتمييز بينها للتتضح الأمور وتصبح أكثر وضوحا ، لذلك فقد صنفت العقيدة العسكرية في مضمونها إلى أنواع ، لكل منها حدوده ومفهومه وخصائصه التي تميزه عن غيره ، ورغم هذا إلا أن هناك ارتباط وثيق بين هذه الأنواع ، فلا يمكن فصلها عن بعضها، ولا يمكن الاستغناء عن أحدها ، لأنها مكمله لبعضها البعض ، وجميعها يشكل العقيدة العسكرية الكاملة الشاملة، وعلى الرغم من كونها مميزة عن بعضها ، إلا أنها تؤثر في تركيبة وتطوير بعضها بعضاً، بصرف النظر عن المستوى أو النوع أو المؤثرات أو الانسياب التقليدي لها من أعلى إلى أسفل، وبمعنى آخر : إن العقيدة العسكرية في أدنى مستوياتها قد تؤدي إلى تغيير رئيسي على المستويات والأنواع الأعلى من العقيدة العسكرية ·
ولكن يجب الانتباه إلى هناك عقيدة رئيسيه كليه للامه وهي عقيدة على مستوى الدولة ، وتسمى" العقيدة الشاملة للدولة" ، وغالباً ما يحدث خلط بين هذا المستوى و بين المستوى الاستراتيجي للعقيدة العسكرية، وهذا الخلط يعد من المواضيع الرئيسية التي تسبب الغموض حول مفاهيم العقيدة العسكرية ، فالعقيدة الشاملة للدولة هي :" مجموعة التعاليم والقيم السامية والمبادئ السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية والمعنوية والعلمية التي نبعت من حضــارة الشعب ورسخت في وجدانه وضميره··" ، فعندما نذكر العقيدة الأساسية للدولة فإننا في الحقيقة نذكر العقيدة الشاملة وليست العسكرية·
أمـا أنــواع العقيدة العسكرية فهي ثلاثة أنواع رئيسية هي :
- العقيدة الأساسية.
- والعقيدة البيئية
- والعقيدة التنظيمية .
أولا:العقيدة الأساسية(الرئيسية):
وهي مبادئ وأسس رئيسيه تساعد على تحديد الإطار العام والمعالم الرئيسية للعقيدة العسكرية على المستوى الاستراتيجي، وتقوم بتوجيهها أيضاً، ونطاق هذا النوع من العقيدة واسع جداً، ولا تعلوه إلا العقيدة الشاملة للدولة، ومما يميز هذا النوع انه لا يتأثر بالسياسة والتطور التقني مقارنة بالمستوى ألعملياتي والتعبوي من العقيدة العسكرية·
ثانيا: العقيدة البيئية( المستوى العملياتي):
وهي عبارة عن المبادئ الأساسية التي تسير على نهجها الوحدات الرئيسية للقوات المسلحة، من اجل توجيه جميع نشاطاتها العسكرية لتحقيق الأهداف المرسومة لها .
وتعد العقيدة البيئية مكملة للعقيدة الأساسية التي توجه مستخدميها إلى الأهداف العسكرية والوطنية التي ينشدونها، و هي التي تربط بين العقيدة في أعلى مستوياتها (الاستراتيجي) وأدنى مستوياتها (التعبوي(.
وتتميز العقيدة البيئية بأنها أضيق نطاقاً من العقيدة الأساسية، بمعنى آخر أنها تتركز على مواضيع ضمن حدود معينة وتبرزها بتفاصيل أكثر وضوحاً ، و تتأثر العقيدة البيئية إلى درجة كبيرة بمؤثرات خارجية ، مثل: التغيرات التقنية والتغيرات السياسية والإستراتيجية، ولهذا نجدها تتغير باستمرار ، ومن أمثلة العقيدة البيئية : العقيدة القتالية للعمليات العسكرية المشتركة ، إضافة إلى العقائد القتالية للقوات البرية والجوية والبحرية.
ثالثا: العقيدة التنظيمية:
هي المبادئ الأساسية التي تتبعها التشكيلات المختلفة في أي قوة عسكرية لغرض القيام بواجباتها وإنجاز المهام المنوطة بها كجزء من القوات المسلحة ، وتعد العقيدة التنظيمية العسكرية أكثر أنواع العقائد تفصيلاً ، فهي توضح المهام والأدوار ومبادئ الاستخدام لكل تمرين أو نشاط عسكري، وتتدرج في تفاصيلها إلى الطرق والأساليب والإجراءات الخاصة باستخدام أي تشكيل معين ، ويتميز هذا المستوى من العقيدة العسكرية بأنه أضيق أنواع العقيدة العسكرية إطاراً مقارنة بالمستويين الآخرين ، وهذا النوع من العقيدة هو ألأكثر تغيراً، نظرا لتأثرها الكبير والمباشر بالتطورات التقنية والخبرات النابعة من الممارسات الفعلية ، وتماسها المباشر بتجارب القادة الميدانيين الفعلية والتدريبية المستمرة .
أوجه العقيدة العسكرية(محتواها):
يرجح كثير من الخبراء العسكريين أن العقيدة العسكرية تضم بمحتواها وجهين اثنين مترابطان معا ويهدفان إلى تحقيق غاية واحدة وهما :
1.الوجه العسكري:
وهي عبارة عن المبادئ التي تعالج كل ما يتعلق بإعداد واستخدام القوات المسلحة في الحروب ، وهو الوجه الذي يحدد الملامح المميزة لشكل الحرب وكذلك تحديد الأهداف الاستراتيجية للحرب وتحديد مستويات تطور الحرب سوا كان المستوى التعبوي أو التكتيكي او الاستراتيجي ، بالاضافه إلى وضع نظام لوجستي للحرب ، ويشمل أيضا دراسة العوامل المؤثرة على العمليات العسكرية ، بالاضافه إلى التدابير الرئيسية التي يجب أن تقوم بها الدولة لإعداد كل مقدراتها الاقتصادية والشعبية (الجماهيرية) والمعنوية للحرب بالإضافة إلى كل ما يتعلق بأمور القوات المسلحة من تنظيم وتطوير وإعداد ،وكذلك دراسة كل ما يتعلق بالعدو وإمكانياته وقدراته واستعداداته.
2. الوجه السياسي:
وهي عبارة عن المبادئ السياسية التي تبحث كل ما يتعلق بالصراع المسلح والتطور العسكري ككل وتحتوي في الغالب على ما يلي:
- دراسة تأثير الأوضاع الدولية والاقليميه والمحلية على طبيعة الصراع .
- إجراءات إعداد مقدرات وإمكانيات الدولة الاقتصادية والمادية والشعبية وتوجيهها لخدمه أهداف الحرب.
- دراسة العوامل السياسية (المحلية أو الاقليميه أو الدولية) التي تحدد مجريات الحرب وتحدد بدايتها ونهايتها.
- تحديد اللحظة المناسبة لعقد المعاهدات أو الهدنة بما يتناسب مع الظروف والعوامل المحيطة.
- دراسة العوامل التي قد تساعد على تجنب الحرب وتمنع قيامها بالاضافه إلى دراسة العوامل التي أدت إلى قيام الحرب في حال قيامها.
إن محتوى العقيدة العسكرية قابل للتغيير والتطور تبعا للظروف والتغيرات السياسية والظروف الدولية، ومما يجب أن تتصف به العقيدة العسكرية هو المرونة، حتى تكون قادرة على التجاوب والتفاعل مع كل ما هو جديد في العلوم والفنون العسكرية، وعدم وضعها ضمن قوالب جامدة تقيد الفكر العسكري وتحرم القادة من الإبداع والتفكير، ومن هنا تبرز أهميه وفائدة العقيدة العسكرية للدولة، حيث انه لا يمكن لأي دولة أن تكون بدون أهداف وغايات قوميه عليا، وان تحقيق هذة الأهداف لا يتم إلا من خلال استخدام القدرات العسكرية، كقوة حاسمة لتحقيق هذة ألأهداف وحماية المصالح، والقوة العسكرية لابد ولكي تكون فاعله وحاسمه ان تستند إلى عقيدة عسكرية واضحة وفعالة، وذلك لدور هذة العقيدة الهام في الهامة توجيه النشاطات والأعمال العسكرية على مختلف المستويات، ويمكن تلخيص فوائد وثمار العقيدة العسكرية بما يلي:
1. هي وسيله لتنظيم وترتيب الأمور في القوات المسلحة .
2. هي الطريقة التي يتم بموجبها إعداد وبناء وتطوير القوات المسلحة وتجهيزها واستخدامها في الحاضر والمستقبل·
3. هي دليل تدريب القوات المسلحة في مختلف المستويات.
4.هي الموجه والدليل والمرشد لأية عملية عسكرية تقوم بها القوات المسلحة مهما كان نوعها أو حجمها، وهي التي تحدد مبادئ وأسس إدارة الصراع المسلح .
5.هي الأساس الذي ينطلق منه جميع العسكريين لتحقيق الغاية المشتركة لهم جميعا والتي يتفقون كلهم على القتال دونها والتي تشكل غاية الدولة وهدفها الأسمى.
6.هي خطه العمل الرئيسية لجميع الأعمال والنشاطات العسكرية على جميع المستويات في الدولة·
نجد أن العقيدة العسكرية ذات أهميه بالغة بالنسبة للامه بشكل عام لأنها تعبر عن وجهات نظرها حيال المسائل المتعلقة بالصراع المسلح الذي من الممكن أن تخوضه ألامه في أي وقت وقد يكون سببا في فنائها او سببا في ارتفاعها وتفوقها.*
أما بالنسبة للاستراتيجية العسكرية والتي هي الأساليب والطرق والوسائل التي تستخدمها ألامه لإدارة الصراع فقد تحدثنا عنها وعن الفرق بينها وبين العقيدة العسكرية في موضع سابق من هذا الكتاب.
وللمزيد من التوضيح نبين أن الخبراء العسكريين يقسمون الفن العسكري إلى ثلاثة أقسام مرتبه تنازليا وكما يلي :
أقسام الفنون العسكرية :
- الاستراتيجيه العليا أو الكبرى
- الاستراتيجية (فن قيادة الحرب)
- التكتيك (فن القتال )
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المرجع: طشطوش، هايل عبد المولى، كتاب: أساسيات في القيادة والإدارة، النموذج الإسلامي في القيادة والإدارة، دار الكندي للنشر والتوزيع، إربد- الأردن ، الطبعة الأولى لعام 2008 .